سقوط قرطبة ..............

من طرف **الاشبيلي** الإثنين مارس 14, 2011 12:12 pm

الأحد 23 شوال – 633هـ

المكان / قرطبة عاصمة الأندلس التليدة

الموضوع/ سقوط قرطبة بيد صليبي أسبانيا

الأحداث /

إن لك سقوط أسباباً كما أن لك شيء سبباً وملحمة سقوط الأندلس المروعة من أفدح المصائب التي منيت بها أمة الإسلام وأسباب سقوط دولة الإسلام بالأندلس بعد ثماني قرون كاملة كثيرة ومتشعبة ولكن يجمعها سبب واحد وأصل واحد كان ملاك المصاب كله وجماع الأسباب كلها هذا السبب هو ضياع عقيدة الولاء والبراء بين مسلمي الأندلس وارتماء الكثير من أمراء المسلمين في أحضان أعدى أعداء أمتهم ودينهم صليبي أسبانيا يطلبون منهم المدد والعون على من ؟؟ على إخوانهم المسلمين فاهتبر أعداء الإسلام الفرصة وشنوا حرباً مقدسة بزعمهم لاسترداد أملاكهم السابقة .
قرطبة عاصمة الخلافة :
تقع قرطبة في قلب الأندلس وفتحها المسلمون سنة 92هـ على يد طارق بن زياد وعبد العزيز بن موسى بن نصير ومن يومها صارت حاضرة الأندلس وكبرى قواعدها ومثوى العلوم والآداب الأندلسية وعندما قام عبد الرحمن الداخل بإقامة خلافة للأمويين سنة 138 هـ جعل عاصمة الخلافة قرطبة ومن يومها صارت درة الأندلس وعينها .
ظلت قرطبة تتبؤ مقعدها الأثير في الأندلس حتى سقطت دولة الخلافة الأموية وقامت ممالك الطوائف المشئومة فاستقل بنو جهور بحكم قرطبة سنة 422هـ ثم انتقلت لحكم بني عباد سنة 468هـ واستمرت على وضعها الجديد الهامشي حتى قام يوسف بن ناشفين بإسقاط ملوك الطوائف ولم يكن لها نفس اللمعان السابق في عهد المرابطين ومن بعدهم الموحدين .
شعب قرطبة :
كان شعب قرطبة يتصف بالثورية والتمرد منذ الفتح الإسلامي وقام أهلها بالعديد من الثورات ضد حكامها فكان القرطبي لا يرضى الضيم والجور وكان رد فعله عنيفاً وقوياً لا تصقله الحوادث ولا يكفي عرقلته الخطوب ومع ذلك فالقرطبيون ليسوا على قلب رجل واحد بل أهواء متفرقة تجمعهم الثورية والتمرد وتفرقهم المطامع والأحقاد حتى دفعت المدينة في النهاية ثمناً لكل تلك الصفات الوثابة .
قرطبة بعد سقوط دولة الموحدين :
مرت قرطبة كسائر مدن الأندلس بعدة مراحل من عاصمة للخلافة إلى مملكة من ممالك الطوائف إلى مدينة عادية في عصر المرابطين ثم الموحدين وكانت ثورتهم آخر عهد الدولة الموحدية عندما ثاروا على واليهم السيد أبي الربيع وقاموا بقتله وسقطت الدولة الموحدية وبقيت قرطبة بلا والي ولا زعيم ولا قائد ولكن أهلها مالوا في النهاية للخضوع لسلطان ابن هود أمير الأندلس الجديد .
كتيبة الصليب :
كان ضعف المسلمين الظاهر للجميع حافزاً لكل طامع ونهاب أن يرنو ببصره تجاه تلك الغنيمة السانحة بلا حرس ولا سلاح لذلك فلقد تشجع عدة مغامرين وقطاع طرق من الصليبيين وعددهم لا يتجاوز الخمسين وقرروا الإغارة على قرطبة على الرغم من ضخامة حجمها وكثافة سكانها ولكنهم في الواقع كانوا لا يبغون أكثر من الغنيمة العاجلة والفرار بها وبالفعل في أواخر ربيع ثاني سنة 633هـ هجمت تلك الكتيبة الصليبية ليلاً على قرطبة من الناحية الشرقية التي كانت أضعف النقاط في الحراسة وقد أخبرهم بذلك أحد الخونة المسلمين الذين تنصروا من أجل ذلك واستطاع الصليبيون بإرشاد هذا الخائن المتنصر أن يستولوا على الناحية الشرقية واحتلوا عدداً من أبراج الحراسة الحصينة فثار باقي سكان المدينة لنجدة إخوانهم وحاصروا الكتيبة الصليبية المتحصنة بالأبراج ولكن النصارى لبثوا صامدين فيها وأرسلوا في الحال لإخوانهم في الصليب يطلبون النجدة .
نداء الصليب :
وصل نداء الصليبيين المحاصرين بقرطبة سريعاً لإخوانهم وفي الحال هرع اثنان من قادة الحدود وهما 'أردونيو ألباريت' و'ألبار بيرت' كل في قواته وتبعهما أسقف 'بياسة' وأسقف 'قونقة' كل في قواته وآخرون من بعدهم , ولما وصلت الأخبار لكبير الصليبيين 'فرناندو الثالث' فعزم على مهاجمة قرطبة وحذره بعض أعوانه من مغبة ذلك وصعوبته ولكنه لم يأبه لذلك وقرر الهجوم , والعجيب أنه لم يصحب معه سوى مائة فارس ووصل إلى قرطبة ليقود الجموع بنفسه فازدادت حمية الجموع الصليبية هناك .
أين المسلمون :
اعتزم أهل قرطبة من اللحظة الأولى الدفاع عن مدينتهم أمام العدو الصليبي ولكنهم كانوا بلا قائد ولا زعيم يرجعون إليه وهم بذلك أشبه بجسد بلا رأس لذلك أرسل أهل قرطبة إلى الأمير ابن هود ليأتي لنجدتهم وبالفعل هرع ابن هود بجيش قوي يبلغ تعداده خمسة وثلاثين ألف مقاتل ومعه نحو مائتي فارس صليبي من المرتزقة والذين كانوا تجسيداً حقيقياً لضياع عقيدة الولاء والبراء التي هي أم السقوط وملاك الضياع للأمة الأندلسية .
كان جيش ابن هود من القوة بمكان بحيث يسهل عليه التغلب على جيش الصليبيين الضعيف ولكنه فجأة وبدون أي أسباب بقى ابن هود جامداً في مكانه وقد أحجم عن القتال ثم ما لبث أن ترك المدينة لمصيرها المحتوم وتوجه بجيوشه إلى مدينة بلنسية في صورة تدل وتبرهن على ما وصل إليه حال المسلمين بالأندلس ولكن السؤال المحير حقاً لماذا لم ينجد ابن هود قرطبة رغم قدرته على ذلك ؟؟ الإجابة تمكن في .. المكيدة الصليبية .
وهذه المكيدة والتي راح كبرى قواعد الأندلس ضحيتها ما كانت لتكون لولا ضياع عقيدة الولاء والبراء وتتلخص في أن قائد الفرسان النصارى والمرتزقة واسمه 'لورنسو خواريز' كان أصلاً فارس صليبي في بلاط ملك الصليبيين 'فرناندو الثالث' ولكن فرناندو غضب عليه ونفاه خارج مملكته فالتحق بخدمة ابن هود فعندما جاءت تلك الحادثة أراد هذا الصليبي المرتزق أن يسترد رضى مليكه عليه بخدمة عظيمة يؤديها إليه وهو أن يعمل على خداع ابن هود ورده عن مقاتلة بني دينه وانجاد أهل قرطبة وبالفعل تسلل هذا الصليبي الغادر الخائن لمعسكر النصارى ليلاً وطلب مقابلة مليكه واتفق معه على تفاصيل الخدعة وعاد لورنسو إلى ابن هود مرة أخرى وشن عليه حرباً نفسية ضارية وخوفه بضخامة جيوش النصارى وأنه من المخاطرة الشديدة محاربة تلك الجيوش الجرارة وبالفعل أتت الخدعة أكلها وانخذل ابن هود عن نجدة قرطبة ثم تحول بجيوشه إلى مدينة بلنسية وترك المدينة البائسة لمصيرها المحتوم .
سقوط قرطبة :
هكذا أصبحت المدينة وحدها أمام عدوها وقد شدد الصليبيون الحصار على المدينة وقطعوا كل طرق الإمدادات إليها حتى كادت تنفذ المؤن ويهلك الناس فاضطروا لأن يفاوضا فرناندو على تسليم المدينة على أن يأمنوا على أنفسهم وأموالهم فوافق فرناندو , ولكن أهل المدينة وصلتهم الأخبار بأن المؤن لدى المعسكر الصليبي على وشك النفاد فقويت عزائمهم ورفضوا تسليم المدينة .
شعر فرناندو أن ابن هود له دور في مقاومة قرطبة فلجأ لأمر ما كان ليتم لولا الحالة المزرية والمأساوية المتردية التي وصل لها حال أمراء المسلمين وضياع عقيدة الولاء والبراء عندهم فأصبحوا أشداء فيما بينهم رحماء على غيرهم , كان بالأندلس أمير آخر منافس لابن هود وهو الأمير ابن الأحمر وكان يعادي ابن هود فاستغل هذا الصليبي هذا العداء وأرسل لابن الأحمر يعقد معه صلحاً ومعاهدة على ابن هود وفوق ذلك كان ابن الأحمر يكره أهل قرطبة لأنهم سبق وأن طردوه من مدينتهم وهكذا تكون الأطماع والأحقاد ميزاناً لمصائر الأمة المسكينة .
عندما وصلت أخبار هذا الاتفاق لأهل المدينة أسقط في أيديهم ودب اليأس إلى قلوبهم وطلبوا المفاوضة من جديد ولكن الأحبار والأساقفة في جيش فرناندو رفضوا التسليم وأصروا على إقتحام المدينة وقتل كل أهلها المسلمين وسبي نساءهم ولكنهم خافوا من أن اليأس قد يدفع أهل المدينة للقتال حتى الموت والاستماتة في الدفاع فقبلوا التسليم في النهاية .
وفي يوم الأحد الموافق 23 شوال سنة 633هـ دخل الصليبيون المدينة التليدة بعد أن غادرها أهلها بعد أن ظلت حاضرة الإسلام في الأندلس أكثر من خمسة قرون , وفي الحال رفع الجنود الصليب على قمة صومعة جامعها الأعظم الذي كان أعظم جوامع الأندلس على الإطلاق ودخل الأساقفة إلى الجامع وحوله إلى كنيسة في الحال إيذاناً وإعلاناً بانتصار الصليبية على الإسلام وعندما دخل فرناندو الثالث المدينة خر ساجداً للصليب وأقيم قداس شكر بورك فيه الملك .
ذاكرة الصليب :
عندما دخل فرناندو قرطبة قام بعمل يدل على أن أعداء الإسلام لا ينسون أبداً وذاكرتهم قوية وما قام به المسلمون من فتوحات ضدهم بمثابة ميراث نكد يورثه كل جيل لمن بعده وما زال محفوراً في أذهان الكبير والصغير ,أمر فرناندو بنزع النوافيس التي كان الحاجب المنصور قد أخذها من كنيسة 'سنتياجو' وهي قدس الأقداس عند صليب أسبانيا حين غزوه لمدينه 'سنتياجو' سنة 387 هـ في العصر الذهبي للأندلس وحملها الأسرى النصارى على كواهلهم حتى قرطبة وهنالك جعلت رؤوساً للثريات الكبرى بالجامع الكبير , أمر فرناندو بنزع هذه النوافيس وأن يحملها الأسرى المسلمون على كواهلهم حتى سنتياجو لترد هنالك إلى مكانها القديم .
المصدر مفكرة الاسلام