مقاصف المدارس

الصحة المدرسية الحاضر الغائب في مؤسساتنا التربوية
مقاصف تقصف العمر.. ووحدات صحية مهجورة

أحمد السلمي (جدة) خالد البلاهدي (الخبر)
ما هو واقع الصحة المدرسية في مؤسساتنا التربوية التعليمية؟ وهل يقوم المقصف المدرسي بدوره في تعليم السلوك الغذائي السليم وتقديم وجبات صحية لطلابنا؟
وما هو الدور الذي تلعبه الوحدات الصحية المدرسية في هذا المجال: هل يقتصر دورها على الجانب التوعوي ام تقوم بدورها العلاجي المتوازن ايضا.
والى اي مدى تمثل في ظل ضعف خدماتها واجهزتها الحاضر - الغائب في مدارسنا واذا كان هذا هو واقعها فكيف يمكن تفعيلها وتطويرها للقيام بدورها كاملا تجاه الطلاب والمدرسين في آن واحد معا؟
بداية يجدر بنا التوقف عند بعض الابحاث التي اجريت في هذا المجال في عدد من الدول والتي تثبت وجود ترابط قوي بين الصحة والتغذية والاداء المدرسي، وان الجوع يؤثر على قدرات الطفل وحماسه للتعلم وقدراته على التركيز، ويقلل اليقظة والانتباه لديه، كما اثبتت الابحاث ان اداء الطلاب ناقصي التغذية ادنى في قدراتهم الدراسية وحل المسائل بصورة ملحوظة عن زملائهم ذوي التغذية السليمة على الرغم من تساويهم في المعايير الشخصية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن جهة ثانية اثبتت الابحاث ان التغذية الصحية تؤدي الى تعزيز قدرات الاطفال على التعلم وترفع نسب الحضور وتختفي نسب التسرب وتزيد نشاط الطلاب وتحمسهم على المشاركة الفاعلة وتزويدهم بالاصناف الغذائية المفيدة مثل الحليب الذي يؤدي الى تحسن فوري في السلوك والاداء المدرسي.
تسوس الاسنان
واثبتت دراسات سعودية على ذات الصعيد ان 57% من الطلاب مصابون بتسوس الاسنان، وان 95% منهم يتناولون الوجبات السريعة حيث زاد معدل استهلاك الفرد من الدهون بنسبة 200% خلال عام واحد، وهو في ارتفاع مستمر نسبة لزيادة الاقبال على الوجبات السريعة مع زيادة عمر الطالب، كما اثبتت الدراسات ان معدل اقبال الطلاب على استهلاك الحليب يقل مع زيادة العمر.
خطر المشروبات الغازية
والى ذلك يؤكد مدير عام الصحة المدرسية بوزارة التربية والتعليم الدكتور صالح بن سعد الانصاري ان طلاب السعودية يواجهون خطرا كبيرا نتيجة سلوكهم الغذائي فكثيرا منهم استبدلوا الماء والحليب والالبان والعصائر الطازجة بالمشروبات الغازية والسبب في ذلك يعود الى تأثير الاعلانات التلفزيونية، مشيرا الى ان حجم الانفاق على الاعلانات التجارية الخاصة بالمشروبات الغازية والوجبات السريعة بلغ 180 مليون ريال في عام واحد و25% منها موجه للوجبات السريعة.
مضيفا ان الدراسات التي اجريت على المشروبات الغازية اكدت احتواءها على الكافيين الموجود في القهوة بنسبة كبيرة اضافة الى النكهات الصناعية والمواد السكرية والاحماض التي تؤثر سلبا على صحة الطلاب، فكثيرا ما تظم حالات الارق بسبب وجود تلك المواد المنبهة في المشروبات الغازية علاوة على الصداع وآلام الاسنان وازدياد نسبة الكسور نظرا لاصابة العظام بالهشاشة.
المقصف المدرسي
وفي هذا الخصوص يظهر مدى اهمية المقصف المدرسي في تعليم السلوك الغذائي الصحي للطلاب وذلك متى ما روعيت فيه بعض الاشتراطات ومنها العروض التي يقدمها والخيارات الغذائية المتاحة، فضلا عن دوره العام في تقديم انواع مختاره من الوجبات الغذائية وتقليص الممارسات الغذائية الخاطئة وتنمية العادات الغذائية الصحية والارتقاء بمهارات اختيار الطعام الصحي والمساندة في أسس خدمات الرعاية الصحية وتوفير وجبة مساعدة خفيفة ومغذية يتناولها الطالب بين الوجبات الرئيسية وليست بديلة عن الافطار المبكر، ذلك ان وجبة الافطار من الوجبات المهمة، وعدم تناولها يؤدي الى سرعة احساس الطالب بالتعب وقلة الرغبة في الدراسة والاسيعاب وضعف التفاعل الذهني والاجهاد العقلي ولذا يجب ان يتناولها الطلاب في منازلهم.
شركات للقضاء على التسمم
ونظرا لما لوحظ من عدم اهتمام بالنظافة في المقاصف المدرسية، ووقوع بعض حالات التسمم بين الطلاب، تم تسليم مقاصف المدارس للشركات نظرا لعدم ثقة وزارة التربية والتعليم في عمليات النظافة والصحة السابقة التي تقوم بها بعض العمالة من مقليات ومواد غذائية، فأصبحت المقاصف الان وطبقا للمعايير الصحية ملتزمة بنظافة الاطعمة ودقتها ونوعيتها المقدمة للطلاب، ومدى فائدتها حيث لوحظ ان هناك قفزة نوعية في المقاصف المدرسية وعملها، علما بأن المقاصف المدرسية لايقصد بها الدخل انما الهدف من وجودها في المدارس هو نوعية التغذية التي تقدم للطلاب.
قصور الوحدات المدرسية
وفي الجانب المهم من الصحة المدرسية والمتمثل في الوحدات الصحية المدرسية تكال الاتهامات لهذه الوحدات من قبل اولياء الامور من حيث تواضع كوادرها التشخيصية واجهزتها الطبية واقتصارها على علاج بعض الحالات البسيطة كالزكام والسعال وبالتالي يتم تحويل الطلاب والمدرسين الى المراكز والمستشفيات في حين يقتصر دور هذه الوحدات الصحية على الكشف المبدئي، فضلا عن عدم وجود اخصائيين فيها بما يجعل منها وحدات غير فعالة في علاج الطلاب والمدرسين معا.
لا نعرفها
اولياء الأمور من جهتهم لايكادون يعلمون الكثير من الوحدات الصحية المدرسية فالبعض يعتقد انها توجد في مقر ادارة التعليم والبعض الاخر يعتقد بأنها ملحقة بالمستشفيات لعلاج الطلاب.
يقول محمد علي سلامي اسكن بالقرب من الوحدة الصحية المدرسية بالخبر ولم اشاهد سوى عدد قليل من المراجعين لها وفيما لو كنت بعيدا عنها لما عرفت ماذا تقدم وعندما يمرض احد ابنائي اذهب به الى احد المراكز الصحية حيث لايوجد العلاج الكافي بهذه الوحدات ولا العدد الكافي من الاطباء مما يتسبب في تكدس الطلاب بها في بداية كل عام لاجراء الكشف الطبي على الطلاب المستجدين وقال يوسف الدوسري لم اسمع عن اي دور وقائي أو علاجي لهذه الوحدات وفيما لو كانت هناك متابعة للطلاب لما انتشرت بينهم بعض الامراض مثلما حدث في المنطقة الشرقية عندما انتشرت الحصبة بين الطلاب واضطر كثير من اولياء الامور الى اخذ ابنائهم الى المستوصفات الخاصة لتطعيمهم على حسابهم.
وهو ما يؤكده ايضا كل من احمد الزهراني وعلي العتيبي عندما اشارا الى عدم كفاية الوحدات الصحية المدرسية في تقديم العلاج لابنائهم الطلاب مطالبين بتطويرها.
اهمال العلاج
عن اقتصار دور الوحدة الصحية المدرسية على الجانب التوعوي واهمال الجانب العلاجي، ينفي الدكتور محمود السيد مدير الوحدة الصحية هذا الاتهام ويؤكد ان الوحدة الصحية المدرسية لاتركز على الجانب التوعوي فقط بل تعمل بتوازن في الجانب العلاجي والجانب التوعوي جنبا الى جنب، حيث تضطلع بالدور التثقيفي دون ان تقصر في جانب العلاج بل ان الخدمات العلاجية عادة ما يتم دعمها بكل ما تحتاجه من ادوية وكوادر واجهزة طبية وبصفة عامة لايقل عدد المراجعين للوحدة الصحية بجميع اقسامها عن 200 طالب وموظف يوميا.
واوضح الدكتور محمود أن للوحدة الصحية اربعة فروع اضافة الى عيادة اسنان مجهزة بأحدث الأجهزة وتقدم خدماتها بصورة جيدة حيث نادرا ما يتم تحويل المراجعين الى مستشفيات الصحة إلا في حالات تركيب أو تقويم الاسنان نظرا لانها مكلفة وتحتاج الى ميزانية خاصة، مشيرا الى وجود اجهزة حديثة بالوحد الصحية المدرسية بما في ذلك قسم للاشعة اضافة الى الاقسام الاخرى التي تقدم العلاج لمختلف الامراض ونادرا ما يتم كتابة وصفات علاجية لشرائها من خارج الوحدة، في حين يتم اجراء التحاليل الطبية من خلال مختبر مصغر ملحق بالوحدة الصحية.
وعلاوة على كل ذلك يوجد بالوحدة الصحية اخصائيون في مختلف التخصصات: فهناك اخصائيون في الباطنية والانف والاذن والحنجرة والعيون وجميع العيادات الخاصة بهذه التخصصات مجهزة بالاجهزة الطبية اللازمة كجهاز رسم القلب وجهاز فحص قاع العين واخر لقياس النظر وعمل النظارات الطبية وجهاز تخطيط السمع وكل ما يتعلق بالجانب العلاجي في هذه العيادات حيث يتم تطبيق نظام السجل الطبي لكل طالب ومعلم وهو نظام متبع منذ سنوات.
برامج تثقيفية ولكن
وفي الجانب التوعوي تطرق الدكتور محمود السيد الى الحديث عن وجود العديد من البرامج التثقيفية والدورات التدريبية للطلاب والمعلمين، مشيرا الى ان وجود برنامج المعلم الزائر الصحي كأول برنامج من نوعه على مستوى المملكة يتم تطبيقه في مدارس جدة وهو معلم متطوع لديه الرغبة في العمل التثقيفي وقد خضع لدورة طبية لمدة خمسة ايام واعد له اطباء الوحدة الصحية حقيبة طبية كاملة ويتركز عمله على متابعة المقصف المدرسي بشكل يومي اضافة الى متابعة الاكتشافات المبكرة للامراض المعدية مثل حالات الرمد الفيروسي والتهاب الكبد الوبائي وغيرها من الامراض، كما يتم عن طريقه بالتنسيق مع المراكز الصحية بوزارة الصحة فحص مياه الشرب بالمدارس للتأكد من صلاحيتها للاستخدام الادمي، وفي حالة وجود مخالفات صحية او ظهور حالات مرضية معدية بين الطلاب، يتم الاتصال بأقرب وحدة صحية من اجل متابعة واتخاذ الاجراءات الوقائية والتوعية والعلاجية اللازمة والتحكم والسيطرة على الحالة مبكرا قبل ان يستفحل امرها اضافة الى تنظيم الندوات والمحاضرات والبرامج التي تهدف الى رفع الوعي الطلابي بهذه الامراض.
غياب الاخصائيين
وحول ما يتردد عن غياب الاخصائيين بالوحدات الصحية المدرسية، اكد الدكتور محمود ان الوحدة الصحية في تعليم جدة تضم على سبيل المثال ستة اطباء سعوديين في تخصص الاسنان، وسبعة اطباء في الباطنية وثلاثة صيادلة سعوديين اضافة الى عدد كبير من الفنيين والمساعدين والموظفين مما يدعم الوحدات الصحية المدرسية في جميع مناطق المملكة.
ومن جانبه يؤكد الدكتور احمد عبدالله النشمي مدير ادارة الوحدة الصحية المدرسية بتعليم المنطقة الشرقية ان الوحدات الصحية المدرسية تحفل بوجود اعداد كبيرة من الكوادر السعودية من ممرضين وصيادلة واخصائيي مختبر وعلاج طبيعي، حيث تبلغ نسبة الممرضين السعوديين في الوحدات الصحية بالمنطقة الشرقية 40% والصيادلة بنسبة 70% واطباء الاسنان بنسبة 50% اضافة الى وجود فني علاج طبيعي واحد في كل وحدة، اما اخصائيو المختبر فجميعهم من الوافدين، مشيرا الى حاجتهم الى اخصائي عظام وباطنية في جميع الوحدات الصحية بالمنطقة الشرقية. مؤكدا قيام الوحدات الصحية المدرسية بدورها الوقائي والتوعوي وذلك في اطار التعليمات الصادرة اليها من مسئولي الادارة العامة للصحة المدرسية.