الأستاذ ناصر جابي ...''التاريخ الرسمي فتح الباب أمام الرواية الفرنسية''

يعتقد الأستاذ ناصر جابي أن علاقة المجتمع بحرب التحرير لا تقوم على نظرة واحدة، بالتالي فقراءة التاريخ ليست واحدة فهي علاقة متعددة بحكم تعدد الفاعلين التاريخين ومختلفة بحكم اختلاف توجهاتهم الفكرية، فهناك من عايش الحدث بشكل مباشر وكان فاعلا وهناك المواطن البسيط، ومن عاش الأحداث عن بعد لن تكون له نفس القراءة كالضابط في جيش التحرير.
قال جابي لـ''الخبر'':''لا نملك قراءة واحدة والقراءة تختلف من جيل لآخر، رغم الاتفاق الموجود بأن نوفمبر عبارة عن تاريخ مهم ويشكل قطيعة مع النظام الاستعماري''. ورغم وجود هذا التعدد، يعتقد ناصر جابي أن الخطاب الرسمي احتكر تاريخ الثورة، وقدم صورة واحدة لها، في الوقت الذي يوجد من يعتقد أن هذه النظرة غير صحيحة. فالشيوعيون مثلا لا يملكون نفس الطرح الذي نجده عند مناضلي الأفالان، وكذلك الحال مع أنصار جمعية العلماء المسلمين الذين سايروا الثورة لكنهم يملكون عدة تحفظات بخصوص بعض وجهاتها. وأضاف: ''صدمت مرة لما شاهدت في إحدى المناسبات الوطنية غيابا كليا للجمهور عن محاضرة جاء لينشطها أحد القادة التاريخيين. هناك نفور مطلق، بسبب هذا الاختزال الذي تعرض له التاريخ، فالتاريخ الرسمي قضى على الحيوية الموجودة في حرب التحرير، وقدم نظرة تقوم على التقليص''.
ويعتقد الأستاذ جابي أن الأجيال الجديدة تريد صدقا أكثر ونظرة أكثر عقلانية. كما تريد إضفاء طابع النسبية على الحدث التاريخي. حيث ترى أنه لا يوجد خائن مطلق، وبطل مطلق. ''فمصالي الحاج مثلا وفق نظرة هذه الأجيال الجديدة له ما له وعليه ما عليه. والتيارات الفكرية السياسية الكبرى كالعلماء والشيوعيين وأنصار فرحات عباس، لها ما لها وعليها ما عليها.. هذه الأجيال الجديدة تريد قراءة أكثر موضوعية لتاريخ الثورة، وأكثـر بعدا عن الحدث.. بحكم أنها لم تعايش حرارة التاريخ''. وأضاف جابي أن النقاش الاجتماعي المتردي والضعيف بحكم تردي وضع المدرسة التاريخية والمؤسسة الجامعية التي لا تقوم بهذا الدور، ''فبدل أن تعمل المؤسسة الجامعية على مساعدة الخطاب الرسمي على الخروج من أزمته في علاقته مع التاريخ، نجدها ورّطته. فالمؤرخ الجامعي لما يتكلم مثل وزير المجاهدين، فمعنى هذا أنه يوجد خطر. وفي هذه الحال لا يستمع المجتمع للخطاب للرسمي بل حتى للخطاب الجامعي، لعدم قدرته على إنتاج خطاب جديد عقلاني ونسبي. وأمام تورط الخطاب الجامعي في تبرير الخطاب الرسمي، وعدم قدرته على تقديم قراءة تقوم على الحقيقة والعقلانية، فُتح الباب على مصراعيه أمام الكتابات التاريخية الفرنسية''.
وبخصوص سؤال حول أسباب الاهتمام بالمذكرات التي ينشرها الفاعلون التاريخيون، قال جابي: ''لأن الناس بحاجة لقراءة التاريخ من زاوية جديدة. فبعد إهمال الطابع الإنساني للتاريخ، جاءت المذكرات لكي تعيد أنسنة الحدث التاريخي''. وعن أسباب تدهور العلاقة بين جيل نوفمبر وجيل الثورة، قال ذات المتحدث: ''يبدو أن جيل نوفمبر عقّد الأجيال الأخرى. فهو جيل يعتقد أنه هو من أنجز كل شيء، قام بالثورة وأتى بالاستقلال. ويعتقد أن الجيل الجديد لا يستطيع أن يكون في مستواه أبدا. ينظر إليه كأنه جيل دون مهام تاريخية''.