المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
ريانية العود | ||||
عادل لطفي | ||||
عذب الكلام | ||||
zineb | ||||
azzouzekadi | ||||
بريق الكلمة | ||||
TARKANO | ||||
ليليان عبد الصمد | ||||
ام الفداء | ||||
السنديانة |
بحـث
.ft11 {FONT-SIZE: 12px; COLOR: #ff0000; FONT-FAMILY: Tahoma,Verdana, Arial, Helvetica; BACKGROUND-COLOR: #eeffff}
.IslamicData
{ font-family: Tahoma, Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif;
font-size: 10pt; font-style: normal; line-height: normal; font-weight:
normal; font-variant: normal; color: #000000; text-decoration: none}
الساعة
عدد زوار المنتدى
الإسلام الحضاري.. مشروع النهضة الماليزي
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الإسلام الحضاري.. مشروع النهضة الماليزي
طرح رئيس وزراء ماليزيا داتو سري عبد الله أحمد بدوي مشروعًا لنهضة الأمة على هدي تعاليم الإسلام؛ وذلك من أجل استعادة دور الحضارة الإسلامية، ويسمى هذا المشروع بـ"الإسلام الحضاري" (Civilizational Islam/ Islam Hadhari) ، وهو اصطلاح يقصد به المنهج الحضاري الشامل لتجديد الإسلام في ماليزيا، ويستخدم كمحرك للأمة نحو التقدم والتطور والريادة الإنسانية.
ويهدف هذا المشروع لتقديم الإسلام بمنظوره الحضاري باعتباره دينًا يشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويلبي متطلبات الروح والبدن والعقل، ويعالج قضايا الفرد والجماعة والدولة. كما يعرض هذا المشروع منهجا شاملا ومتكاملا للعمل بالإسلام على نحو يميزه عن مناهج الدعوة والعمل الإسلامي كالصوفية والحركات الإسلامية السياسية، فضلا عن جماعات العنف والتكفير.
المبادئ العشر
يعرف رئيس وزراء ماليزيا مشروع الإسلام الحضاري فيصفه بأنه: "جهد من أجل عودة الأمة إلى منابعها الأصيلة، وإعطاء الأولوية للقيم والمعاني الإسلامية الفاضلة لكي توجه الحياة وترشدها"، ويحدد مبادئه في الآتي:
1- الإيمان بالله وتحقيق التقوى: وذلك لأن الإيمان بالخالق هو العامل الأساسي في الاستخلاف وعمارة الحياة، بينما تقوى الله تفضي إلى جليل الأعمال وأحسن الأخلاق وأعدل العلاقات بين الناس. وبالتالي لا يقتصر دور هذا المبدأ الإيماني على تزكية الروح وتنقية المعتقد وتصحيح العبادة، وإنما يتعداه إلى العناية بالسلوك وأعمال الجوارح.
2- الحكومة العادلة والأمينة: التي جاءت عن طريق الشورى والاختيار الحر دون قهر أو إكراه، وتعمل على بسط العدل ونصرة المظلومين وردع الظالمين، وترد الحقوق إلى أهلها، وترعى مصالح الأفراد على اختلاف أعراقهم ومعتقداتهم، كما تقوم على قضاء حوائجهم بأمانة وتجرد وإخلاص.
3- حرية واستقلال الشعب: إن الحرية هي القيمة الكبرى في الحياة الإنسانية، وهي الحافز للعمل والإبداع، وبها يكون الإنسان مستقلا وحرًّا في قراراته؛ وقد خلع عن رقبته طوق العبودية والتبعية.
4- التمكن من العلوم والمعارف: فالعلم هو المرتكز الأساسي لنهضة الأمة، والوسيلة التي يستعان بها على عمارة الأرض، وتسخير ما فيها، وترقية الحياة، والانتفاع بالطيبات من الرزق.
5- التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة: التي تعني التنمية بكامل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والروحية والمادية والثقافية والحضارية، وتجعل صلاح الإنسان غاية وهدفا لها.
6- تحسين نوعية الحياة: وتعني سلامة الحياة واستقرارها وجودتها وتوفير متطلباتها الضرورية.
7- حفظ حقوق الأقليات والمرأة: رعاية حقوق الأقليات العرقية والدينية، وكذلك احترام المرأة وتقدير مكانتها وتعزيز دورها الإيجابي في المجتمع.
8- الأخلاق الحميدة والقيم الثقافية الفاضلة: العناية بالأخلاق الفاضلة والقيم المعنوية السامية في كل المجالات والجوانب، وأن تكون هي الأساس لتربية الأجيال.
9- حفظ وحماية البيئة: العمل على حماية البيئة والحفاظ عليها ومنع ما يهددها من عوامل التلوث والآفات والإهلاك.
10- تقوية القدرات الدفاعية للأمة: وذلك للحفاظ على سلامة ووحدة أراضي الدولة وحماية المصالح العليا لشعوبها والمحافظة على استقلالها وسيادتها.
لماذا الإسلام الحضاري؟
ويحدد عبد الله بدوي الأسباب التي دفعته لطرحه هذا فيقول: "إن الإسلام الحضاري جاء لنهضة وتقدم المسلمين في الألفية الثالثة، ومن أجل المساعدة على دمجهم في الاقتصاد الحديث". كما أن يصلح أن يكون "الترياق للتطرف والغلو في الدين"، وذلك لأنه "يشجع على التسامح والتفاهم والاعتدال والسلام". وفي بلد متعدد الثقافات والأعراق فإن الإسلام الحضاري يهدف لمصلحة الجميع على اختلاف عقائدهم وأديانهم وأعراقهم، ويضيف: "من المؤكد أننا كمسلمين يجب أن نعامل غير المسلمين بالحسنى والإنصاف"، مشيرًا إلى أن هذا المشروع "سوف يؤدي إلى الامتياز والتفوق، وسيكون مصدرًا للفخر والاعتزاز ليس للمسلمين وحدهم، وإنما لغير المسلمين أيضًا".
ويحدد بدوي سمات المجتمع الماليزي الذي يستهدف مشروع الإسلام الحضاري إيجاده في ثماني سمات هي:
1- أن يتحلى بالأفكار الوسطية والمعتدلة التي تساعد على تقوية بناء الأمة والدولة.
2- قوامه الأخلاق الفاضلة حتى يكون قدوة للأمة كلها والناس جميعًا.
3- يتصف بالمسئولية والجدية في تأدية دوره وواجباته.
4- تكون فيه العلاقات بين أفراده مترابطة وتقوم على الثقة والأخلاق الفاضلة.
5- يتصف بالنظام ويحترم سيادة وحكم القانون.
6- متحد الكلمة ومتعاون ومتكافل فيما بينه.
7- تطبق الدولة تعاليم الإسلام الحقيقي وتحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.
8- تكون الدولة رائدة وقائدة وليست تابعة وذليلة.
مظاهر الإسلام الحضاري وعناصره
وفي رؤية رئيس الوزراء الماليزي فإن أهم مظاهر الإسلام الحضاري تتمثل في الآتي:
العالمية: لأنه يستمد روحه ومقاصده من الإسلام الذي هو رسالة للناس كافة ورحمة للعالمين.
الربانية: حيث مصدره الأساسي وحي الخالق العظيم، ويبتغي ربط الناس بالله رب العالمين؛ فهي ربانية الغاية والهدف، كما هي ربانية المصدر والمنطلق.
الأخلاقية: فالأخلاق الفاضلة التي تفضي إلى سلوك رشيد وعلاقات طيبة بين البشر هي أبرز ما يدعو إليه الإسلام الحضاري.
التسامح: وذلك من أجل مجتمع يسوده الاستقرار والسلام والتعاون والتكافل بكافة أعراقهم ومعتقداتهم، وتفهم الآخرين واحترام خياراتهم العقدية والثقافية.
وهو يرى أن للإسلام الحضاري سمات وخصائص تميزه عن غيره من المناهج أبرزها ما يلي:
التكامل: تتكامل فيه معارف الوحي مع علوم العصر، وتتكامل فيه الجهود من حيث تناوله لشئون الفرد والمجتمع والدولة.
الوسطية: يقوم المشروع على الاعتدال في منهجه، ويعتمد على التدرج واليسر في طريقة تطبيقه، ومن خلال ذلك يكون التوازن بين مصلحة الأفراد ومصلحة الجماعة، والتوازن بين متطلبات الروح والمادة، وبين المثال والواقع.
التنوع: من حيث مادته التي تغطي مجالات عديدة، وتهتم بمستويات مختلفة، كما تستوعب المتغيرات، وتأخذ من التجارب والحكم البشرية النافعة والصالحة.
الإنسانية: بمعنى أنه رسالة موجهة إلى الإنسان، وتهدف إلى رعاية مصالحه الضرورية والحاجية والتحسينية، وكفالة حقوقه الأساسية، وحفظ دينه وعقله ونسله وعرضه وماله.
عناصر الإسلام الحضاري
يقوم مشروع الإسلام الحضاري -كما يطرحه عبد الله بدوي- على عشرة عناصر أساسية ينبغي على المسلمين أفرادًا وجماعات العمل على تحقيقها، وهي:
1- التعليم الشامل: الذي يجمع بين معارف الوحي وعلوم العصر، ويغطي فروض الكفاية والأعيان ويؤدي واجبات الوقت دون تقصير.
2- الإدارة الجيدة: التي تحسن إدارة الموارد البشرية والمادية وتوظيف الاستخدام الأمثل لها.
3- التجديد في الحياة: بمعنى ترقية أساليبها من ناحية التمدن والحضارة.
4- زيادة جودة الحياة: وتوفير متطلبات الحياة الكريمة على أجود هيئة وأكمل حالة.
5- قوة الشخصية: من حيث الإخلاص والأمانة؛ فالإخلاص أساس الأقوال والأعمال، بينما الأمانة عماد المجتمع والدولة، وبغيرهما لا يمكن إيجاد الإنسان الصالح والمجتمع الصالح. وهي أخلاق تقوم عليها الحضارات، وبغيابها تزول وتغرب.
6- الحيوية والنشاط: من حيث استجابته للمتغيرات وإدراكه لمتطلبات الحياة المتجددة ومسائلها المتشعبة.
7- الشمول والسعة: يقوم المشروع على الفهم الشمولي للإسلام؛ فهو لا يركز على جانب دون الآخر، ولا يأخذ تعاليم الإسلام مجزأة. ويعتبر الإسلام منهج حياة كاملا؛ فهو عقيدة وعبادة، وأخلاق ومعاملة، وتشريع وقانون، وتربية وتعليم، ودولة ونظام، يتناول مظاهر الحياة كلها، ويحدد منهاجًا للسلوك البشري في كافة أطواره.
8- العملية والواقعية: لا يجنح إلى المثالية المجردة؛ فهو منهج عملي واقعي من حيث مراعاته واقع الحياة وطبيعة الإنسان وتفاوت الناس في استعداداتهم ومداركهم وحاجاتهم ومطالبهم.
9 - الاستقلالية وعدم التبعية للأجنبي: سواء كانت تبعية فكرية أو ثقافية أو اقتصادية وسياسية.
10- تعزيز المؤسسة الأسرية: فالأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، وبصلاحها يصلح المجتمع وتترابط علاقاته وتتوحد مشاعره.
التحديات التي تواجه الإسلام الحضاري
وبعد أن يعرض رئيس الوزراء الماليزي لجوانب رؤيته يحدد جملة من التحديات التي تواجه مشروع الإسلام الحضاري، وهي في جملتها تحديات داخلية، أبرزها:
1- الجمود والتقليد: يقف تيار الجمود والتقليد عقبة أمام محاولات التجديد والاجتهاد بدعوى الإبقاء على القديم وإن لم يكن صالحًا لعصرنا؛ وهو تيار يعبر عن نفسه في الجمود المذهبي والتقليد الفكري.
2- التطرف: وهو تيار أفرزته المشكلات والاختلال العميق في المجتمعات المسلمة، ويعبر عن نفسه في حركات التطرف الفكري والسلوكي.
3- الانعزال والترهب: وهو تيار ينتشر وسط الأمة الإسلامية، وتغذيه المواقف السلبية الداعية إلى الزهد والرهبنة والابتعاد عن الدنيا والانصراف عنها كلية.
4- العلمانية: وهي اللادينية التي ترفض ارتباط الدين بالحياة، وتوجيهه لجوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتحارب تدخل تعاليم الدين في شئون الدولة والحكم.
5- أحادية المعرفة: المعرفة الجزئية سواء بالشرع أو الواقع تؤدي إلى نظرة جزئية للأمور وتحجب عن صاحبها معرفة الأبعاد الحقيقية للقضايا، وبالتالي يكون حكمه قاصرًا وعاجزًا عن المعالجة الوافية، ولا بد من معرفة بالشرع والواقع معًا.
6- الضعف في إدارة الوقت: إن إهدار الوقت وعدم إدراك قيمته من أوضح أسباب الفشل والتردي في الحياة العامة في البلاد الإسلامية.
شهادة من قريب
داتو بروفيسور عبد الله محمد زين، وزير الشئون الإسلامية والأوقاف بماليزيا هو أحد أبرز المفكرين الماليزيين الذين ساهموا في المشروع، وهو أستاذ سابق للدراسات الإسلامية بالجامعة الوطنية الماليزية، حصل على درجة الدكتوراة من جامعة الأزهر، وعمل نائبًا لمدير جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا. وله مساهمات في مجال الفكر والدعوة الإسلامية، وعرف بالاعتدال والوسطية.
وقد شرح محمد زين المشروع في كلمة ألقاها أمام المؤتمر العالمي حول قضايا الإسلام الحضاري، فقال: "الإسلام الحضاري هو مدخل لتجديد المجتمع المسلم، ويقدم منهجًا جديدًا وصحيحًا لفهم الإسلام في الوقت المعاصر. وعليه فإن الإسلام الحضاري هو جهد لإعادة دور الحضارة الإسلامية التي تقوم على القرآن والسنة، ولا يمكن أن ينحرف عن العقيدة الصحيحة".
ويفسر أسباب وتوقيت طرح المشروع، فيقول: "لأن الغربيين يسيئون فهم الإسلام ويتهمونه بالتطرف وينظرون إليه نظرة سلبية؛ فقد قامت الحكومة الماليزية بالدعوة لهذا المشروع".
وهو يرى أن "الإسلام الحضاري يؤكد على تنمية الجوانب الحضارية التي تستند على العقيدة الصحيحة، كما يهتم بتحسين وتطوير نوعية الحياة عبر المعرفة والعناية بالجوانب الروحية والمادية. وهذا المشروع يتسق ويتناغم مع مبادئ خطة الإستراتيجية العشرينية التي تهدف إلى أن تصير ماليزيا بحلول عام 2020 دولة صناعية متقدمة ومتطورة، وهذه التنمية المراد تحقيقها ليست تنمية للقطاع الاقتصادي فحسب، بل هي تنمية تشمل الجوانب الاجتماعية والروحية والثقافية والمادية".
ويولي مشروع الإسلام الحضاري أهمية خاصة لبناء الذات؛ فهو "يركز على المعرفة والتعليم والمعرفة العقلية والنقلية، كما يشجع على معرفة وتوظيف تقنية المعلومات. والمشروع لا يعني الإسلام التحرري بمعنى التحرر من القيود الأخلاقية أو التأثر بالغرب، ويغمض العين عن الجوانب السلبية في الحضارة الغربية".
ولا يتعجل زين تطبيق المشروع أو فرضه سريعًا، ويقول: "ستجتهد الحكومة الماليزية في تنزيل ذلك على الواقع بسلاسة وتدرج؛ لأن التطبيق الحكيم والمتأني يؤتي ثمارًا جيدة، وإلا فمن الممكن أن يرفض المجتمع المفهوم الجديد. والمشروع قابل للتطوير واستيعابه للأفكار والاجتهادات النافعة والجديدة؛ فنحن في حاجة لتلبية متطلبات الحياة المعاصرة بما يتفق مع إسلامنا وتعاليم ديننا".
ويضيف داتو عبد الله قائلا: "في ظل الإسلام الحضاري نسلم بتعدد وجهات النظر واختلاف الآخرين معنا، وهذا الاختلاف هو اختلاف تنوع وليس اختلاف أضداد؛ مما يعني أنه يثري الفكرة ويطورها، خاصة إذا روعي أدب الاختلاف والحوار"، والإسلام الحضاري "ليس مذهبًا جديدًا أو فرقة مبتدعة، كما لا يجبر أي مسلم على الاقتناع بها، وإنما هو مشروع لإحياء الأمة".
وبالتالي فإن الإسلام الحضاري "هو اجتهاد بشري وليس وحيًا معصومًا؛ ولذلك هناك احتمال الاختلاف معه". ومن خلال مشروع الإسلام الحضاري تحاول ماليزيا أن تقدم نموذجًا للعالم يمكن أن يقتدى به.
ويقول داتو عبد الله: إن هذه الفكرة المبدعة من رئيس الوزراء تهدف إلى الاستقرار السياسى والسلام الاجتماعي واستدامة النمو في ماليزيا؛ لأنها من العناصر المهمة لاستدامة النمو الاقتصادي. ويولي المشروع اهتمامًا للتعليم الإسلامي واللغة العربية ومواد التربية الإسلامية والفقه الضروري، ويبدأ تطبيق منهج تعليمي لهذا الغرض من المراحل التعليم الأولى، خاصة للتلاميذ المسلمين حتى يعمقوا صلتهم بالإسلام ويتمثلوه في حياتهم. والحكومة حريصة على الأمانة والطهارة ومحاربة الرشوة وتعمل جاهدة بكل الوسائل في هذا المضمار.
هل التحديث من سمات الإسلام الحضاري؟
يجيب داتو عبد الله زين عن هذا السؤال فيقول: "الوسطية والتوازن هي أهم سمات مشروع الإسلام الحضاري، والتحديث لا يعني إهمال القديم، وهناك حرج في وصف المشروع بالحداثة؛ لأنها غالبًا ما تقترن بالمفاهيم الغربية، وكذلك الحال بالنسبة لوصف الإسلام التقدمي، ونفضل إطلاق وصف الوسطية على مشروع الإسلام الحضاري".
ويضيف: "الوثائق الرئيسة للمشروع قيد المراجعة من قبل وزارة الشئون الإسلامية ومعهد تفهيم الإسلام، وتشتمل على 60 صفحة، وسيطالع رئيس الوزراء بنفسه هذه الوثائق ليخرج المشروع في ثوب قشيب. وسيكون باللغة الملايوية، ثم يترجم إلى اللغتين العربية والإنجليزية. ويشمل ذلك أهداف المشروع، ومبررات الأخذ بالإسلام كمنهج حياة متكامل من أجل تطوير المسلمين وزيادة تقدمهم في مجالات العلوم والتقنية والاقتصاد والإدارة والأخلاق. وسيكون الكتاب مشروعًا متكاملا ودليلا واضحًا. والآن تمهد الحكومة لقيام منابر تناقش قضايا الاقتصاد والتعليم والثقافة، وتجمع المختصين والخبراء وعلماء الشريعة.
ما الفرق بين الإسلام الحضاري والإسلام السياسي؟
يقول داتو عبد الله زين إجابة عن هذا السؤال: "الإسلام الحضاري يبدأ من أسفل إلى أعلى، ومن القاعدة إلى القمة، ومن الجمهور والقرى إلى القادة بطريقة منظمة ومتدرجة ورفيقة، وبالتركيز على الأولويات حيث العبرة بالمعاني والمقاصد لا الألفاظ والعبارات".
"الإسلام الحضاري ليس دينا جديدا ولا مذهبا فقهيا مبتدعا، وإنما هو طريقة تقوم على مثل وقيم الإسلام الخالدة لتعزيز تقدم الحضارة الإسلامية، وهي طريقة لعرض الإسلام بواقعية وعملية وعودة الأمة إلى مصادر الإسلامية الأصيلة ومبادئه القويمة. ويعطي مشروع الإسلام الحضاري مزيدًا من الاهتمام لزيادة جودة الحياة الإنسانية لكل الناس بغض النظر عن أعراقهم وثقافاتهم ومعتقداتهم".
ويعزز ذلك هدف الرؤية الإستراتيجية لماليزيا بحلول عام 2020 أن تكون دولة متقدمة، كاملة التطور ومنجزة لعملية التنمية المتوازنة والشاملة والمتوازنة بكامل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والروحية والمادية والثقافية والحضارية، وأن تحقق مراتب متقدمة في العدالة الاجتماعية والمثل المعنوية والاستقرار السياسي والمشاركة الشعبية وجودة الحياة ونزاهة الحكومة والوحدة الوطنية.
منقول لكل غاية مفيدة
[right]
ويهدف هذا المشروع لتقديم الإسلام بمنظوره الحضاري باعتباره دينًا يشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويلبي متطلبات الروح والبدن والعقل، ويعالج قضايا الفرد والجماعة والدولة. كما يعرض هذا المشروع منهجا شاملا ومتكاملا للعمل بالإسلام على نحو يميزه عن مناهج الدعوة والعمل الإسلامي كالصوفية والحركات الإسلامية السياسية، فضلا عن جماعات العنف والتكفير.
المبادئ العشر
يعرف رئيس وزراء ماليزيا مشروع الإسلام الحضاري فيصفه بأنه: "جهد من أجل عودة الأمة إلى منابعها الأصيلة، وإعطاء الأولوية للقيم والمعاني الإسلامية الفاضلة لكي توجه الحياة وترشدها"، ويحدد مبادئه في الآتي:
1- الإيمان بالله وتحقيق التقوى: وذلك لأن الإيمان بالخالق هو العامل الأساسي في الاستخلاف وعمارة الحياة، بينما تقوى الله تفضي إلى جليل الأعمال وأحسن الأخلاق وأعدل العلاقات بين الناس. وبالتالي لا يقتصر دور هذا المبدأ الإيماني على تزكية الروح وتنقية المعتقد وتصحيح العبادة، وإنما يتعداه إلى العناية بالسلوك وأعمال الجوارح.
2- الحكومة العادلة والأمينة: التي جاءت عن طريق الشورى والاختيار الحر دون قهر أو إكراه، وتعمل على بسط العدل ونصرة المظلومين وردع الظالمين، وترد الحقوق إلى أهلها، وترعى مصالح الأفراد على اختلاف أعراقهم ومعتقداتهم، كما تقوم على قضاء حوائجهم بأمانة وتجرد وإخلاص.
3- حرية واستقلال الشعب: إن الحرية هي القيمة الكبرى في الحياة الإنسانية، وهي الحافز للعمل والإبداع، وبها يكون الإنسان مستقلا وحرًّا في قراراته؛ وقد خلع عن رقبته طوق العبودية والتبعية.
4- التمكن من العلوم والمعارف: فالعلم هو المرتكز الأساسي لنهضة الأمة، والوسيلة التي يستعان بها على عمارة الأرض، وتسخير ما فيها، وترقية الحياة، والانتفاع بالطيبات من الرزق.
5- التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة: التي تعني التنمية بكامل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والروحية والمادية والثقافية والحضارية، وتجعل صلاح الإنسان غاية وهدفا لها.
6- تحسين نوعية الحياة: وتعني سلامة الحياة واستقرارها وجودتها وتوفير متطلباتها الضرورية.
7- حفظ حقوق الأقليات والمرأة: رعاية حقوق الأقليات العرقية والدينية، وكذلك احترام المرأة وتقدير مكانتها وتعزيز دورها الإيجابي في المجتمع.
8- الأخلاق الحميدة والقيم الثقافية الفاضلة: العناية بالأخلاق الفاضلة والقيم المعنوية السامية في كل المجالات والجوانب، وأن تكون هي الأساس لتربية الأجيال.
9- حفظ وحماية البيئة: العمل على حماية البيئة والحفاظ عليها ومنع ما يهددها من عوامل التلوث والآفات والإهلاك.
10- تقوية القدرات الدفاعية للأمة: وذلك للحفاظ على سلامة ووحدة أراضي الدولة وحماية المصالح العليا لشعوبها والمحافظة على استقلالها وسيادتها.
لماذا الإسلام الحضاري؟
ويحدد عبد الله بدوي الأسباب التي دفعته لطرحه هذا فيقول: "إن الإسلام الحضاري جاء لنهضة وتقدم المسلمين في الألفية الثالثة، ومن أجل المساعدة على دمجهم في الاقتصاد الحديث". كما أن يصلح أن يكون "الترياق للتطرف والغلو في الدين"، وذلك لأنه "يشجع على التسامح والتفاهم والاعتدال والسلام". وفي بلد متعدد الثقافات والأعراق فإن الإسلام الحضاري يهدف لمصلحة الجميع على اختلاف عقائدهم وأديانهم وأعراقهم، ويضيف: "من المؤكد أننا كمسلمين يجب أن نعامل غير المسلمين بالحسنى والإنصاف"، مشيرًا إلى أن هذا المشروع "سوف يؤدي إلى الامتياز والتفوق، وسيكون مصدرًا للفخر والاعتزاز ليس للمسلمين وحدهم، وإنما لغير المسلمين أيضًا".
ويحدد بدوي سمات المجتمع الماليزي الذي يستهدف مشروع الإسلام الحضاري إيجاده في ثماني سمات هي:
1- أن يتحلى بالأفكار الوسطية والمعتدلة التي تساعد على تقوية بناء الأمة والدولة.
2- قوامه الأخلاق الفاضلة حتى يكون قدوة للأمة كلها والناس جميعًا.
3- يتصف بالمسئولية والجدية في تأدية دوره وواجباته.
4- تكون فيه العلاقات بين أفراده مترابطة وتقوم على الثقة والأخلاق الفاضلة.
5- يتصف بالنظام ويحترم سيادة وحكم القانون.
6- متحد الكلمة ومتعاون ومتكافل فيما بينه.
7- تطبق الدولة تعاليم الإسلام الحقيقي وتحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.
8- تكون الدولة رائدة وقائدة وليست تابعة وذليلة.
مظاهر الإسلام الحضاري وعناصره
وفي رؤية رئيس الوزراء الماليزي فإن أهم مظاهر الإسلام الحضاري تتمثل في الآتي:
العالمية: لأنه يستمد روحه ومقاصده من الإسلام الذي هو رسالة للناس كافة ورحمة للعالمين.
الربانية: حيث مصدره الأساسي وحي الخالق العظيم، ويبتغي ربط الناس بالله رب العالمين؛ فهي ربانية الغاية والهدف، كما هي ربانية المصدر والمنطلق.
الأخلاقية: فالأخلاق الفاضلة التي تفضي إلى سلوك رشيد وعلاقات طيبة بين البشر هي أبرز ما يدعو إليه الإسلام الحضاري.
التسامح: وذلك من أجل مجتمع يسوده الاستقرار والسلام والتعاون والتكافل بكافة أعراقهم ومعتقداتهم، وتفهم الآخرين واحترام خياراتهم العقدية والثقافية.
وهو يرى أن للإسلام الحضاري سمات وخصائص تميزه عن غيره من المناهج أبرزها ما يلي:
التكامل: تتكامل فيه معارف الوحي مع علوم العصر، وتتكامل فيه الجهود من حيث تناوله لشئون الفرد والمجتمع والدولة.
الوسطية: يقوم المشروع على الاعتدال في منهجه، ويعتمد على التدرج واليسر في طريقة تطبيقه، ومن خلال ذلك يكون التوازن بين مصلحة الأفراد ومصلحة الجماعة، والتوازن بين متطلبات الروح والمادة، وبين المثال والواقع.
التنوع: من حيث مادته التي تغطي مجالات عديدة، وتهتم بمستويات مختلفة، كما تستوعب المتغيرات، وتأخذ من التجارب والحكم البشرية النافعة والصالحة.
الإنسانية: بمعنى أنه رسالة موجهة إلى الإنسان، وتهدف إلى رعاية مصالحه الضرورية والحاجية والتحسينية، وكفالة حقوقه الأساسية، وحفظ دينه وعقله ونسله وعرضه وماله.
عناصر الإسلام الحضاري
يقوم مشروع الإسلام الحضاري -كما يطرحه عبد الله بدوي- على عشرة عناصر أساسية ينبغي على المسلمين أفرادًا وجماعات العمل على تحقيقها، وهي:
1- التعليم الشامل: الذي يجمع بين معارف الوحي وعلوم العصر، ويغطي فروض الكفاية والأعيان ويؤدي واجبات الوقت دون تقصير.
2- الإدارة الجيدة: التي تحسن إدارة الموارد البشرية والمادية وتوظيف الاستخدام الأمثل لها.
3- التجديد في الحياة: بمعنى ترقية أساليبها من ناحية التمدن والحضارة.
4- زيادة جودة الحياة: وتوفير متطلبات الحياة الكريمة على أجود هيئة وأكمل حالة.
5- قوة الشخصية: من حيث الإخلاص والأمانة؛ فالإخلاص أساس الأقوال والأعمال، بينما الأمانة عماد المجتمع والدولة، وبغيرهما لا يمكن إيجاد الإنسان الصالح والمجتمع الصالح. وهي أخلاق تقوم عليها الحضارات، وبغيابها تزول وتغرب.
6- الحيوية والنشاط: من حيث استجابته للمتغيرات وإدراكه لمتطلبات الحياة المتجددة ومسائلها المتشعبة.
7- الشمول والسعة: يقوم المشروع على الفهم الشمولي للإسلام؛ فهو لا يركز على جانب دون الآخر، ولا يأخذ تعاليم الإسلام مجزأة. ويعتبر الإسلام منهج حياة كاملا؛ فهو عقيدة وعبادة، وأخلاق ومعاملة، وتشريع وقانون، وتربية وتعليم، ودولة ونظام، يتناول مظاهر الحياة كلها، ويحدد منهاجًا للسلوك البشري في كافة أطواره.
8- العملية والواقعية: لا يجنح إلى المثالية المجردة؛ فهو منهج عملي واقعي من حيث مراعاته واقع الحياة وطبيعة الإنسان وتفاوت الناس في استعداداتهم ومداركهم وحاجاتهم ومطالبهم.
9 - الاستقلالية وعدم التبعية للأجنبي: سواء كانت تبعية فكرية أو ثقافية أو اقتصادية وسياسية.
10- تعزيز المؤسسة الأسرية: فالأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، وبصلاحها يصلح المجتمع وتترابط علاقاته وتتوحد مشاعره.
التحديات التي تواجه الإسلام الحضاري
وبعد أن يعرض رئيس الوزراء الماليزي لجوانب رؤيته يحدد جملة من التحديات التي تواجه مشروع الإسلام الحضاري، وهي في جملتها تحديات داخلية، أبرزها:
1- الجمود والتقليد: يقف تيار الجمود والتقليد عقبة أمام محاولات التجديد والاجتهاد بدعوى الإبقاء على القديم وإن لم يكن صالحًا لعصرنا؛ وهو تيار يعبر عن نفسه في الجمود المذهبي والتقليد الفكري.
2- التطرف: وهو تيار أفرزته المشكلات والاختلال العميق في المجتمعات المسلمة، ويعبر عن نفسه في حركات التطرف الفكري والسلوكي.
3- الانعزال والترهب: وهو تيار ينتشر وسط الأمة الإسلامية، وتغذيه المواقف السلبية الداعية إلى الزهد والرهبنة والابتعاد عن الدنيا والانصراف عنها كلية.
4- العلمانية: وهي اللادينية التي ترفض ارتباط الدين بالحياة، وتوجيهه لجوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتحارب تدخل تعاليم الدين في شئون الدولة والحكم.
5- أحادية المعرفة: المعرفة الجزئية سواء بالشرع أو الواقع تؤدي إلى نظرة جزئية للأمور وتحجب عن صاحبها معرفة الأبعاد الحقيقية للقضايا، وبالتالي يكون حكمه قاصرًا وعاجزًا عن المعالجة الوافية، ولا بد من معرفة بالشرع والواقع معًا.
6- الضعف في إدارة الوقت: إن إهدار الوقت وعدم إدراك قيمته من أوضح أسباب الفشل والتردي في الحياة العامة في البلاد الإسلامية.
شهادة من قريب
داتو بروفيسور عبد الله محمد زين، وزير الشئون الإسلامية والأوقاف بماليزيا هو أحد أبرز المفكرين الماليزيين الذين ساهموا في المشروع، وهو أستاذ سابق للدراسات الإسلامية بالجامعة الوطنية الماليزية، حصل على درجة الدكتوراة من جامعة الأزهر، وعمل نائبًا لمدير جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا. وله مساهمات في مجال الفكر والدعوة الإسلامية، وعرف بالاعتدال والوسطية.
وقد شرح محمد زين المشروع في كلمة ألقاها أمام المؤتمر العالمي حول قضايا الإسلام الحضاري، فقال: "الإسلام الحضاري هو مدخل لتجديد المجتمع المسلم، ويقدم منهجًا جديدًا وصحيحًا لفهم الإسلام في الوقت المعاصر. وعليه فإن الإسلام الحضاري هو جهد لإعادة دور الحضارة الإسلامية التي تقوم على القرآن والسنة، ولا يمكن أن ينحرف عن العقيدة الصحيحة".
ويفسر أسباب وتوقيت طرح المشروع، فيقول: "لأن الغربيين يسيئون فهم الإسلام ويتهمونه بالتطرف وينظرون إليه نظرة سلبية؛ فقد قامت الحكومة الماليزية بالدعوة لهذا المشروع".
وهو يرى أن "الإسلام الحضاري يؤكد على تنمية الجوانب الحضارية التي تستند على العقيدة الصحيحة، كما يهتم بتحسين وتطوير نوعية الحياة عبر المعرفة والعناية بالجوانب الروحية والمادية. وهذا المشروع يتسق ويتناغم مع مبادئ خطة الإستراتيجية العشرينية التي تهدف إلى أن تصير ماليزيا بحلول عام 2020 دولة صناعية متقدمة ومتطورة، وهذه التنمية المراد تحقيقها ليست تنمية للقطاع الاقتصادي فحسب، بل هي تنمية تشمل الجوانب الاجتماعية والروحية والثقافية والمادية".
ويولي مشروع الإسلام الحضاري أهمية خاصة لبناء الذات؛ فهو "يركز على المعرفة والتعليم والمعرفة العقلية والنقلية، كما يشجع على معرفة وتوظيف تقنية المعلومات. والمشروع لا يعني الإسلام التحرري بمعنى التحرر من القيود الأخلاقية أو التأثر بالغرب، ويغمض العين عن الجوانب السلبية في الحضارة الغربية".
ولا يتعجل زين تطبيق المشروع أو فرضه سريعًا، ويقول: "ستجتهد الحكومة الماليزية في تنزيل ذلك على الواقع بسلاسة وتدرج؛ لأن التطبيق الحكيم والمتأني يؤتي ثمارًا جيدة، وإلا فمن الممكن أن يرفض المجتمع المفهوم الجديد. والمشروع قابل للتطوير واستيعابه للأفكار والاجتهادات النافعة والجديدة؛ فنحن في حاجة لتلبية متطلبات الحياة المعاصرة بما يتفق مع إسلامنا وتعاليم ديننا".
ويضيف داتو عبد الله قائلا: "في ظل الإسلام الحضاري نسلم بتعدد وجهات النظر واختلاف الآخرين معنا، وهذا الاختلاف هو اختلاف تنوع وليس اختلاف أضداد؛ مما يعني أنه يثري الفكرة ويطورها، خاصة إذا روعي أدب الاختلاف والحوار"، والإسلام الحضاري "ليس مذهبًا جديدًا أو فرقة مبتدعة، كما لا يجبر أي مسلم على الاقتناع بها، وإنما هو مشروع لإحياء الأمة".
وبالتالي فإن الإسلام الحضاري "هو اجتهاد بشري وليس وحيًا معصومًا؛ ولذلك هناك احتمال الاختلاف معه". ومن خلال مشروع الإسلام الحضاري تحاول ماليزيا أن تقدم نموذجًا للعالم يمكن أن يقتدى به.
ويقول داتو عبد الله: إن هذه الفكرة المبدعة من رئيس الوزراء تهدف إلى الاستقرار السياسى والسلام الاجتماعي واستدامة النمو في ماليزيا؛ لأنها من العناصر المهمة لاستدامة النمو الاقتصادي. ويولي المشروع اهتمامًا للتعليم الإسلامي واللغة العربية ومواد التربية الإسلامية والفقه الضروري، ويبدأ تطبيق منهج تعليمي لهذا الغرض من المراحل التعليم الأولى، خاصة للتلاميذ المسلمين حتى يعمقوا صلتهم بالإسلام ويتمثلوه في حياتهم. والحكومة حريصة على الأمانة والطهارة ومحاربة الرشوة وتعمل جاهدة بكل الوسائل في هذا المضمار.
هل التحديث من سمات الإسلام الحضاري؟
يجيب داتو عبد الله زين عن هذا السؤال فيقول: "الوسطية والتوازن هي أهم سمات مشروع الإسلام الحضاري، والتحديث لا يعني إهمال القديم، وهناك حرج في وصف المشروع بالحداثة؛ لأنها غالبًا ما تقترن بالمفاهيم الغربية، وكذلك الحال بالنسبة لوصف الإسلام التقدمي، ونفضل إطلاق وصف الوسطية على مشروع الإسلام الحضاري".
ويضيف: "الوثائق الرئيسة للمشروع قيد المراجعة من قبل وزارة الشئون الإسلامية ومعهد تفهيم الإسلام، وتشتمل على 60 صفحة، وسيطالع رئيس الوزراء بنفسه هذه الوثائق ليخرج المشروع في ثوب قشيب. وسيكون باللغة الملايوية، ثم يترجم إلى اللغتين العربية والإنجليزية. ويشمل ذلك أهداف المشروع، ومبررات الأخذ بالإسلام كمنهج حياة متكامل من أجل تطوير المسلمين وزيادة تقدمهم في مجالات العلوم والتقنية والاقتصاد والإدارة والأخلاق. وسيكون الكتاب مشروعًا متكاملا ودليلا واضحًا. والآن تمهد الحكومة لقيام منابر تناقش قضايا الاقتصاد والتعليم والثقافة، وتجمع المختصين والخبراء وعلماء الشريعة.
ما الفرق بين الإسلام الحضاري والإسلام السياسي؟
يقول داتو عبد الله زين إجابة عن هذا السؤال: "الإسلام الحضاري يبدأ من أسفل إلى أعلى، ومن القاعدة إلى القمة، ومن الجمهور والقرى إلى القادة بطريقة منظمة ومتدرجة ورفيقة، وبالتركيز على الأولويات حيث العبرة بالمعاني والمقاصد لا الألفاظ والعبارات".
"الإسلام الحضاري ليس دينا جديدا ولا مذهبا فقهيا مبتدعا، وإنما هو طريقة تقوم على مثل وقيم الإسلام الخالدة لتعزيز تقدم الحضارة الإسلامية، وهي طريقة لعرض الإسلام بواقعية وعملية وعودة الأمة إلى مصادر الإسلامية الأصيلة ومبادئه القويمة. ويعطي مشروع الإسلام الحضاري مزيدًا من الاهتمام لزيادة جودة الحياة الإنسانية لكل الناس بغض النظر عن أعراقهم وثقافاتهم ومعتقداتهم".
ويعزز ذلك هدف الرؤية الإستراتيجية لماليزيا بحلول عام 2020 أن تكون دولة متقدمة، كاملة التطور ومنجزة لعملية التنمية المتوازنة والشاملة والمتوازنة بكامل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والروحية والمادية والثقافية والحضارية، وأن تحقق مراتب متقدمة في العدالة الاجتماعية والمثل المعنوية والاستقرار السياسي والمشاركة الشعبية وجودة الحياة ونزاهة الحكومة والوحدة الوطنية.
منقول لكل غاية مفيدة
[right]
محمدالجزائري- عضو برونزي
- عدد المساهمات : 172
تاريخ التسجيل : 10/10/2011
رد: الإسلام الحضاري.. مشروع النهضة الماليزي
حملت التوترات الأخيرة التي شهدتها ماليزيا منذ مطلع العام 2010 معالم مخطط لاستهداف النموذج الاسلامي بماليزيا مما يثير المزيد من المخاوف حول مستقبل مشروع ماليزيا للتحول إلى دولة عظمى في 2020 وفق منظورها الإسلامي الحضاري، حيث انشغلت الساحة الماليزية بعدة حوادث وازمات طائفية لم تشهدها منذ الاستقلال عن الاحتلال البريطاني 1957،إلا في العام 1969..
فتفجرت أزمة لفظ الجلالة "الله" بين مسيحيي ومسلمي ماليزيا وهي الأزمة الأعنف منذ عقود،حيث تظاهرات واحراق كنائس والقاء رؤوس خنازير بالمساجد واحراق المصليات في مشهد أعاد للأذهان الأوضاع في ماليزيا أيام الاحتلال البريطاني عندما سعى المحتل لزرع الألغام بين العرقيات والقوميات المختلفة ، حيث أجبر الملايو وهم أغلبية السكان على السكن في الريف لزراعة الأرز وأسكن الصينيين في المدن للعمل في التجارة وأخيرا ترك الهنود لوظيفة جمع المطاط. ..ما تسبب في توترات طائفية عنيفة هزت البلاد في 1969.
وكانت الشرطة الماليزية قد أعلنت يوم الأربعاء27-1-2010 ، أنه تم العثور على رءوس ثلاثة خنازير مقطوعة وموضوعة أمام مسجدى تمان داتو هارون، ومسجد الإمام الترمذى فى ضاحية كوالالمبور، وذلك فى الوقت الذى تشهد فيه البلاد منذ أسابيع سلسلة من أعمال التخريب ضد أماكن دينية أدت إلى توترات طائفية. إضافة إلى ضرام النار فى مصليين الخميس 22-1-2010، وتدنيس 11 كنيسة منذ مطلع العام..
يذكر أن المسلمين يشكلون نحو 60% من اجمالي عدد السكان الذي يبلغ تعدادهم 28 مليون نسمة وفق احصاء 2007، ويبلغ تعداد المسيحيين حوالي 2.2 مليون نسمة يشكلون نسبة 9.1% من إجمالي تعداد سكان ماليزيا، من بينهم حوالي 800 ألف كاثوليكي، وبجانب المسلمين والمسيحيين يعيش في ماليزيا بوذيون وهندوس بنسبة 19.2% و6.3% على التوالي من تعداد السكان -بحسب إحصائيات رسمية.
وعلي الرغم من تأكيدات قوات الشرطة بأن الهجمات كانت غير مخططة وغير منسقة وارتكبها هواة، فقد جاءت بمثابة صدمة اجتماعية وسياسية في بلد يعتد بتسامحه الديني والعرقي كأساس للتعايش.
وكانت الأزمة تفجرت بعدما أصدرت محكمة ماليزية مطلع العام الجديد قرارا يسمح للمسيحيين باستخدام لفظ الجلالة (الله) للإشارة إلى رب المسيحيين ، معتبرا الحظر الذي كانت تفرضه الحكومة على استخدام غير المسلمين للكلمة غير قانوني .وجاء القرار بعد أن رفعت صحيفة "كاثوليكية" دعوى العام الماضي ضد الحكومة بسبب الحظر الرسمي المفروض على استخدام الكلمة ، وذكرت صحيفة "كاثوليك هيرالد" أنها ترغب في استخدام اسم (الله) للإشارة إلى رب المسيحيين بهدف خدمة المسيحيين الناطقين بلغة الملايو في جزيرة بورنيو .وفيما اعتبر المسيحيون الحكم انتصارا لحرية الأديان في البلاد ذات الأغلبية المسلمة ، شككت بعض الجماعات الاسلامية في دوافع الكنيسة الكاثوليكية وأعربت عن اعتقادها بأن تلك الخطوة ما هي إلا غطاء لتشجيع المسلمين على التخلي عن الإسلام واعتناق المسيحية ، في ضوء تصاعد موجات التنصير التي تضرب شرق وجنوب آسيا في الفترة الأخيرة..
وفي السياق ذاته ، ذكرت الحكومة أن استخدام الكلمة العربية ربما يثير حساسيات المسلمين ويشوش معتقداتهم ، وأصرت على أن لفظ الجلالة هي الكلمة الإسلامية التي ينبغي أن يقتصر استخدامها على المسلمين فقط ، وأوضحت أن استخدامها من قبل الديانات الأخرى يمكن أن يكون مضللا ، مشيرة إلى أنها قررت استئناف الحكم الذي يسمح للمسيحيين باستخدام لفظ الجلالة " الله ".
إصرار كاثوليكي لإفشال مشروع الأسلمة!
ويشير المراقبون إلى أن الاصرار الكاثوليكي على استخدام لفظ "الله" من قبل نصارى ماليزيا في هذا التوقيت يأتي كمحاولة اثبات الحضور الكاثوليكي للفئة الأكثر ثراء ونفوذا سياسيا في البلاد وللتعبير عن اعتراضهم على التمدد الاسلامي وأسلمة كثير من مناحي الحياة بصورة ملفتة تهدد الأقليات غير الاسلامية في ظل الخطوات المتسارعة التي يشهدها الشارع الماليزي ضمن مشروع الدولة الإسلامية العظمى الذي دشنه رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد منذ ثمانينيات القرن العشرين(دمج الإسلام بالحياة العامة، الأمر الذي يعني تعزيز القيم والهوية الإسلامية وخلق روابط جديدة مع العالم الإسلامي ) وسار عليه رؤوساء الوزراء عبدالله بدوي ونجيب عبدالرزاق...
حجب الأصوات المسيحية..بداية التأزيم
ولعل الرفض الإسلامي لقرار المحكمة الماليزية يبدو غير مستغربا في ضوء المخططات الكاثوليكية المدعومة من مؤسسات غربية ، طفت مظاهرها على الساحة الماليزية خلال الانتخابات النيابية التي شهدتها ماليزيا في 2008، حيث دعت كنائس ومؤسسات مسيحية ماليزية الناخبين الماليزيين إلى التصويت لصالح المرشحين الذين يتبنون برامج تحافظ على الحريات الدينية في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها يوم 8 مارس 2008..
وفي السياق ذاته جاءت تصريحات "وونج كيم كونج" الأمين العام للمؤسسة الوطنية للمسيحيين الإنجيليين في ماليزيا لرويترز قبيل الانتخابات في مارس 2008: "هناك تخوف أساسي بشأن الأسلمة الخبيثة للحياة العامة".
وكان مهاتير محمد وحزبه الحاكم "أومنو" وضعا برنامجا للتحديث على أساس مبدئين رئيسيين هما : دمج الإسلام بالحياة العامة والاستمرار في سياسات التحركات الإيجابية التي بدأت في السبعينيات من القرن الماضي التي منحت المسلمين الذين يمثلون 60% من سكان البلاد تميزا في الوظائف الحكومية والتعليم.، في محاولة لتصحيح اخطاء الاحتلال البريطاني الذي همش أصحاب البلاد الأصليين، وتعرضت تلك السياسات لانتقادات من جبهتين متناقضتين ، العلمانيين الليبرال الذين يرون أن إضفاء "الصبغة الإسلامية" على المجتمع والسياسة الماليزية قد تجاوزت الحدود كما أنها تتسبب في تآكل التقاليد التي كانت يوما ليبرالية..
وكذلك حزب "باس" الإسلامي المعارض –الذي انشق عن "أومينو" منذ الخمسينيات من القرن الماضي- فإنه يرى أن مساعي حزب "أومنو" غير كافية ويطالب بتسريع خطوات الأسلمة..الأمر الذي يثير قلق الأقليات غير المسلمة التي تخشى من أن تكون حقوقها مهددة في حال نجح "باس" بالانتخابات المقبلة في 2013..
وهكذا يتضح أن اصرار المسيحيين على استخدام لفظ الجلالة بالعربية في هذا التوقيت يسعى لإحراج الحكومة الحالية وعرقلة خططها لتنفيذ مشروع "أمنو" بالكامل ، بالإضافة إلى منع حزب "باس" من الوصول للسلطة .
ففي ظل مشروع "أومنو" ، باتت الأقليات تشعر بالقلق من احتمال تهميشها ولذا تراجع تأييدها لحكومة نجيب عبد الرزاق والذي ظهر جليا في الانتخابات العامة عام 2008 ، حيث لم يحقق الحزب الحاكم أغلبية كبيرة ويبدو أن إثارة أزمة "الله" في هذا التوقيت يهدف إلى تعقيد خطط نجيب عبد الرزاق لاستعادة دعم غير المسلمين قبل انتخابات 2013 ..
تاريخ طويل من الأسلمة
مع دخول الإسلام ماليزيا في القرن الثاني عشر عن طريق التجارة والدعاة كما هو الحال في دول جنوب شرقي آسيا ، تأثرت لغة الملايو بالعربية بشكل كبير وتجلى ذلك في استخدام الحرف العربي بدل الرموز التي كانت مستخدمة في الكتابة الملايوية ، حيث استخدم الماليزيون الكتابة العربية في شكلها المعروف بالخط الجاوي نسبة إلى جزيرة جاوا الإندونيسية التي منها انتشر الإسلام في أرخبيل الملايو.
وتحتل اللغة العربية حاليا مكانة مرموقة في ماليزيا فهي موجودة مثلا على العملات الورقية واللوحات الإرشادية ودخلت المصطلحات الدينية العربية إلى الملايو دون تغيير كألفاظ العبادات والمعاملات والمناسبات الدينية ، ويكاد نصف مفردات اللغة الملايوية يكون ألفاظا عربية.
كما تنشط الحركة السياسية الإسلامية في ماليزيا منذ تأسيس حزب المسلمين المعروف بـ(حاميم) في 14 من مارس 1948 وقد تأثرت كافة تيارات الحركة في أطروحاتها الفكرية بحركة ماشومي في إندونيسيا والجماعة الإسلامية في باكستان وحركة الإخوان المسلمين في مصر ، ولكن كان عمر هذا الحزب قصيرا بسبب اعتقال قيادته تحت قانون الطوارئ في 18 من يونيو 1948 من جانب الإدارة الإنجليزية المحتلة. ومن أبرز الأحزاب والحركات الإسلامية في ماليزيا حزب أمنو ، ففي نوفمبر 1951 دعا القسم الديني في حزب المنظمة الوطنية الملايوية المتحدة "أمنو" إلى تأسيس اتحاد علماء ماليزيا وتغير فيما بعد اسم هذا الاتحاد إلى الوحدة الإسلامي الماليزي "باس" ككيان مستقل منفصل عن "أمنو" .
كما تلعب البعثات الدراسية إلى المؤسسات التعليمية الإسلامية كالأزهر الشريف مصدرا لرؤية فكرية إصلاحية إسلامية تدعو إلى الاستفادة من علوم الغرب مع التمسك بأصول الاسلام ،و الحفاظ على الهوية الماليزية .
ولعل أبرز جهود الأسلمة التي انتهجتها الحكومة الماليزية مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي ؛ تطبيق مجموعة من السياسات عكست في مجملها التوجه الحكومي لأسلمة بعض المجالات برز من خلالها نشاط جماعات الدعوة من الشباب الماليزي المثقف هذا إضافة إلى إرساء النظام لبعض المشروعات ذات الطابع الاسلامي في مجال كل من البنوك و التأمين .كما تم إنشاء الجامعة الدولية الاسلامية و عدد من المعاهد الاسلامية و شجع النظام أيضا على إقامة مسابقات للقرآن الكريم .
ومن ضمن المؤسسات الاسلامية الفاعلة " دار الأرقم" الذي بدأ نشاطها بالدعوة الإسلامية ثم ما لبث أن تحول إلى حركة جماهيرية في المناطق الحضرية والريفية عبر مجموعة من المؤسسات التعليمية و الدينية و مشروعات التنمية الريفية إضافة إلى إنشاء عدد من المشروعات الصناعية في ماليزيا و خارجها ، وقد نجح هذا التنظيم بالفعل في اجتذاب العديد من شباب المالاي في ظل الاستقلالية المادية التي أتاحت له القيام بالعديد من الأنشطة امتدت إلى المجال السياسي ....ومع ضغوط الاقليات غير المسلمة ومحاولات اللجوء لجهات أجنبية لوقف التمدد الاسلامي اضطرت الحكومة لتقليص ادوار ومساحة الحركة أمام المؤسسة في العام 1994.
مأسسة التوجهات الإسلامية
- تأسيس البنك الإسلامي للتنمية بموجب القانون المصرفي الإسلامي لعام 1983، والذي تعد مدخرات عملائه قروضاً حسنة للبنك لا يتقاضون عنها أية فوائد ثابتة، وإنما يتقاضون عائداً متغيراً تحدده الحكومة بناءً على عدة عمليات مضاربة وتمويل تجارية تدعمها الحكومة بشكل مباشر، وتمتلك الحكومة الماليزية ما نسبته 37% من هذا البنك..
- إنشاء العديد من شركات التأمين الإسلامية، بموجب قانون التكافل عام 1984..
- قامت الحكومة بتعديل قانون العقوبات؛ لتجعله أكثر انسجاماً مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
- أدخلت مادة الثقافة الدينية كمادة إجبارية في المدارس والجامعات الماليزية.
-كما قامت الحكومة بحظر تأسيس جامعات خاصة لغير الملاي، والذين يمثلون الغالبية المسلمة في البلاد، كما حظرت على غيرهم تأسيس إذاعة أو تلفزيون..
- قامت الحكومة بإنشاء جهاز استشاري إسلامي لتقديم الرأي للحكومة فيما يتعلق بالمسائل الدينية .
بجانب ذلك فقد أنشأت المحاكم الشرعية ونظامًا إسلاميًا بيروقراطيًا شاملاً - وذلك بجهد جماعي استقلَّ بذاته. كما أنَّ عدد القوانين الإسلامية التي تم فرضها تضاعف إلى أربعة أضعافها في فترة لا تزيد عن عشرة أعوام. وعلى الأرجح أنَّ نظام القضاء الشرعي في ماليزيا يعتبر النظام القضائي الأوسع والأكثر شمولية في العالم الإسلامي بعد نظام القضاء الشرعي في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى أنَّ البيروقراطية المرتبطة بذلك لا تعتبر متنفِّذة وحسب، بل تمتلك تأثيرًا أكثر من البرلمان الوطني.
بنجسا ماليزيا لتهدئة مخاوف الأعراق الأخرى
وفي أتون تلك التحولات المهمة التي شهدتها ماليزيا تواجهت الحكومات المتعاقبة بمخاوف وتحركات مناوئة من قبل الأقليات والأعراق المتعددة، أحيانا واجهتها بضغوط على الفعاليات الإسلامية وأحيانا بتوسيع هامش الحراك المجتمعي وبعض المكتسبات للأقليات لطمأنة المجتمع الدولي وتفادي المواجهات التي تعوق مشروعها كدولة عظمى وفق القيم الإسلامية، ولم تقف الحكومة عند مجرد الضغط على بعض الفاعلين والمؤسسات الاسلامية لتهدئة مخاوف الاقليات المتعددة ، بل حرصت عبر بعض المؤسسات الدينية و من اهمها المعهد الماليزي الاسلامي على تنظيم اجتماعات مع غير المسلمين لتأكيد الطابع العالمي للقيم الاسلامية .وفي يوليو 1996 قامت الحكومة الماليزية أثر إنتقادات وجهت إليها من غير المسلمين بتغيير مادة إجبارية كانت تدرس في الجامعات الماليزية بعنوان الحضارة الاسلامية لتصبح " الحضارات الإسلامية و الآسيوية ، كما سمحت السلطات لغير المسلمين بالتعبير عن وجهات نظرهم عبر مختلف أجهزة الاعلام في معارضة صريحة لبعض سياسات الأسلمة التي كانت الحكومة قد أقرتها .
واستحدثت الحكومة الماليزية سياسة جديدة أسمتها Bangsa Malaysia ، والتي تشير إلى الواقع التعددي الثقافي في البلاد...وذلك بعد اجتهادات العلماء واستشارات المؤسسات الاسلامية العالمية ، التي ارتأت عدم مخالفتها لأصول الاسلام، واعتمادها ما يسمى (فقه المقاصد)، أو متطلبات الحياة اليومية لضمان سلامة المشروع الإسلامي وعدم تجاوز حقوق الأقليات الأخرى، التي مكنها الاحتلال البريطاني من مقاليد الحياة الماليزية..قبل جلائه في 1957..
مبدأ إسلامي
على الرغم من التحديات الداخلية وضغوطات العولمة إلا ان الاستراتيجية الماليزية في بناء نموذج دولتها الفريد حرصت على أن يكون الاسلام بقيمه ومبادئه الحاكم لتلك العملية، فأخذت من العولمة وموجات التحديث العالمية ما يناسب معطياتها وواقع حياتها وشعبخا...
ومن ثم اتفقت التنمية الماليزية مع المبدأ الإسلامي الذي يجعل الإنسان محور النشاط التنموي وأداته، فأكدت تمسكها بالقيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية، مع الاهتمام بتنمية الأغلبية المسلمة لسكان البلاد الأصليين من الملاويين وتشجيعهم على العمل بالقطاعات الإنتاجية الرائدة، فضلاً عن زيادة ملكيتهم لها• كما وفرت لأفراد المجتمع إمكانات تحصيل العلم في مراحله المختلفة، وتسهيل التمرين والتدريب ورفع مستوى الإنتاجية، وترتيبات الارتفاع بالمستوى الصحي وتوقعات العمر، فنجحت في تحسين مستويات معيشة الأغلبية العظمى من أفراد الشعب كماً ونوعاً، وخصوصاً مع ارتفاع متوسط الدخل الفردي
كذلك انتهجت ماليزيا استراتيجية الاعتماد على الذات في الاضطلاع بالعبء التنموي، سواء البشري أو التمويلي، حيث عملت على حشد المدخرات المحلية اللازمة لاستغلال الموارد الإلهية المتاحة• أيضاً اهتمت ماليزيا بتجربة تحسين المؤشرات الاجتماعية لرأس المال البشري الإسلامي، سواء كان من أهل البلاد الأصليين أو من المهاجرين إليها من المسلمين الذين ترحب السلطات بتوطينهم، كما أسهم ارتفاع نصيب الملاويين في الملكية المشتركة للثروة في القطاعات الإنتاجية المختلفة، فضلاً عن القطاع المالي والمصرفي، إلى توفير رؤوس الأموال المحلية اللازمة لمختلف أوجه التنمية بصورة متزايدة والتي أسهمت في الإقلال من الديون الخارجية، وما يترتب عليها من زيادة عبء الدين الذي يرهق الموارد اللازمة للتنمية، فضلاً عن العواقب الوخيمة اجتماعياً وسياسياً
الشورى
طبيعة دور الدولة في النشاط الاقتصادي في ماليزيا تتم من خلال القنوات الديموقراطية للشورى المتمثلة في الأحزاب الماليزية المتعددة التي توفر أوسع مشاركة ممكنة للناس في مناقشة جميع القضايا المتعلقة بالمصلحة العامة، ومتابعة السلطة التنفيذية في تطبيقها الجاد لجميع السياسات التي يتم الموافقة عليها •والتزمت الحكومة الماليزية بالأسلوب الإسلامي السليم في ممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية وتوجيه الموارد، ففي حين عملت على تحويل ملكية مختلف المشروعات الاقتصادية إلى القطاع الخاص، فقد نمت مسؤولية الأفراد وأشركتهم عملياً في تحقيق الأهداف القومية، واحتفظت بسهم خاص في إدارة المؤسسات ذات الأهمية الاجتماعية والاستراتيجية، لعدم التخلي عن دورها في ممارسة الرقابة والإشراف عليها• ومن ناحية أخرى أسهمت الحكومة في التقليل من الآثار السلبية للتحول إلى القطاع الخاص عن طريق منح تأمين ضد البطالة للعاملين في الخدمات التي تم تحويلها إلى القطاع الخاص، مع وعدهم بأجور أعلى في المدى القريب..
ختاما يمكننا قراءة تلك المؤشرات والمعادلات القائمة في ماليزيا ضمن سياق محاولة تحريك المخاوف من المشروع الإسلامي إلا أن تجربة ماليزيا الفريدة من نوعها يبدو أنها في طريقها لتحقيق حلم التحول إلى دولة كبرى بحلول عام 2020 على أساس المشاركة والاندماج بين كافة مكوناتها العرقية والدينية...رغم الأزمات التي تحاول جهات داخلية وخارجية إلقاءها أمام صانعي السياسة الماليزية، الذين تجاوزوا أزمات أكبر من ذلك خلال التاريخ السياسي المعاصر للدولة الماليزية التي اذهلت الغرب وقلبت حساباته أبان أزمة الاقتصادات الآسيوية في 1997 التي وقف ورائها جهات غرية ويخودية عالمية؛ حيث رفضت ماليزيا كافة نصائح وسياسات صندوق النقد الدولي واتبعت سياسات محلية اخرجتها من الأزمة الاقتصادية أقوى مما كانت وأعادت الاعتبار لعملتها المحلية وأعادت الاستثمارات الماليزية في الدول الاسيوية والغربية إلى داخل منظومتها الاقتصادية التي تبدا وتنتهي في غالبها عند الآداب والحكام الشرعية الإسلامية.....
إلا أن المسلم به من خلال تلك القراءة أن النموذج الماليزي في الجمع بين القيم الإسلامية وقيم المعاصرة والحضارة بات يشكل خطرا على نموذج الحضارة الغربية بمفرداتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وبدا القلق ينتاب الثقافة الغربية التي طالما ربطت بين الدين والتخلف الحضاري، ومقولات العلمانية التي ربطت بين التقدم وموجات التنمية والتحديث والتطور في المجتمعات الغربية بفصل الدين عن الدولة أو عن السياسة –كما تروج الآلة الإعلامية الغربية...إلا أن النموذج الماليزي الذي نجح في الجمع بين الاسلام كقيم حاكمة وآداب مجتمعية ونظام اجتماعي-إلى حد كبير- وبين التنمية بمعدلاتها الكبيرة أثبت عكس مثل تلك المقولات على الرغم من الموزازييك الاجتماعي وتعدد الطوائف والملل في تلك الدولة التي يطلق عليها الاسيويون "بوتقة الانصهار" ....
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
واعذرني على الاضافة
على موضوعك بدون آذن
تحياتي
فتفجرت أزمة لفظ الجلالة "الله" بين مسيحيي ومسلمي ماليزيا وهي الأزمة الأعنف منذ عقود،حيث تظاهرات واحراق كنائس والقاء رؤوس خنازير بالمساجد واحراق المصليات في مشهد أعاد للأذهان الأوضاع في ماليزيا أيام الاحتلال البريطاني عندما سعى المحتل لزرع الألغام بين العرقيات والقوميات المختلفة ، حيث أجبر الملايو وهم أغلبية السكان على السكن في الريف لزراعة الأرز وأسكن الصينيين في المدن للعمل في التجارة وأخيرا ترك الهنود لوظيفة جمع المطاط. ..ما تسبب في توترات طائفية عنيفة هزت البلاد في 1969.
وكانت الشرطة الماليزية قد أعلنت يوم الأربعاء27-1-2010 ، أنه تم العثور على رءوس ثلاثة خنازير مقطوعة وموضوعة أمام مسجدى تمان داتو هارون، ومسجد الإمام الترمذى فى ضاحية كوالالمبور، وذلك فى الوقت الذى تشهد فيه البلاد منذ أسابيع سلسلة من أعمال التخريب ضد أماكن دينية أدت إلى توترات طائفية. إضافة إلى ضرام النار فى مصليين الخميس 22-1-2010، وتدنيس 11 كنيسة منذ مطلع العام..
يذكر أن المسلمين يشكلون نحو 60% من اجمالي عدد السكان الذي يبلغ تعدادهم 28 مليون نسمة وفق احصاء 2007، ويبلغ تعداد المسيحيين حوالي 2.2 مليون نسمة يشكلون نسبة 9.1% من إجمالي تعداد سكان ماليزيا، من بينهم حوالي 800 ألف كاثوليكي، وبجانب المسلمين والمسيحيين يعيش في ماليزيا بوذيون وهندوس بنسبة 19.2% و6.3% على التوالي من تعداد السكان -بحسب إحصائيات رسمية.
وعلي الرغم من تأكيدات قوات الشرطة بأن الهجمات كانت غير مخططة وغير منسقة وارتكبها هواة، فقد جاءت بمثابة صدمة اجتماعية وسياسية في بلد يعتد بتسامحه الديني والعرقي كأساس للتعايش.
وكانت الأزمة تفجرت بعدما أصدرت محكمة ماليزية مطلع العام الجديد قرارا يسمح للمسيحيين باستخدام لفظ الجلالة (الله) للإشارة إلى رب المسيحيين ، معتبرا الحظر الذي كانت تفرضه الحكومة على استخدام غير المسلمين للكلمة غير قانوني .وجاء القرار بعد أن رفعت صحيفة "كاثوليكية" دعوى العام الماضي ضد الحكومة بسبب الحظر الرسمي المفروض على استخدام الكلمة ، وذكرت صحيفة "كاثوليك هيرالد" أنها ترغب في استخدام اسم (الله) للإشارة إلى رب المسيحيين بهدف خدمة المسيحيين الناطقين بلغة الملايو في جزيرة بورنيو .وفيما اعتبر المسيحيون الحكم انتصارا لحرية الأديان في البلاد ذات الأغلبية المسلمة ، شككت بعض الجماعات الاسلامية في دوافع الكنيسة الكاثوليكية وأعربت عن اعتقادها بأن تلك الخطوة ما هي إلا غطاء لتشجيع المسلمين على التخلي عن الإسلام واعتناق المسيحية ، في ضوء تصاعد موجات التنصير التي تضرب شرق وجنوب آسيا في الفترة الأخيرة..
وفي السياق ذاته ، ذكرت الحكومة أن استخدام الكلمة العربية ربما يثير حساسيات المسلمين ويشوش معتقداتهم ، وأصرت على أن لفظ الجلالة هي الكلمة الإسلامية التي ينبغي أن يقتصر استخدامها على المسلمين فقط ، وأوضحت أن استخدامها من قبل الديانات الأخرى يمكن أن يكون مضللا ، مشيرة إلى أنها قررت استئناف الحكم الذي يسمح للمسيحيين باستخدام لفظ الجلالة " الله ".
إصرار كاثوليكي لإفشال مشروع الأسلمة!
ويشير المراقبون إلى أن الاصرار الكاثوليكي على استخدام لفظ "الله" من قبل نصارى ماليزيا في هذا التوقيت يأتي كمحاولة اثبات الحضور الكاثوليكي للفئة الأكثر ثراء ونفوذا سياسيا في البلاد وللتعبير عن اعتراضهم على التمدد الاسلامي وأسلمة كثير من مناحي الحياة بصورة ملفتة تهدد الأقليات غير الاسلامية في ظل الخطوات المتسارعة التي يشهدها الشارع الماليزي ضمن مشروع الدولة الإسلامية العظمى الذي دشنه رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد منذ ثمانينيات القرن العشرين(دمج الإسلام بالحياة العامة، الأمر الذي يعني تعزيز القيم والهوية الإسلامية وخلق روابط جديدة مع العالم الإسلامي ) وسار عليه رؤوساء الوزراء عبدالله بدوي ونجيب عبدالرزاق...
حجب الأصوات المسيحية..بداية التأزيم
ولعل الرفض الإسلامي لقرار المحكمة الماليزية يبدو غير مستغربا في ضوء المخططات الكاثوليكية المدعومة من مؤسسات غربية ، طفت مظاهرها على الساحة الماليزية خلال الانتخابات النيابية التي شهدتها ماليزيا في 2008، حيث دعت كنائس ومؤسسات مسيحية ماليزية الناخبين الماليزيين إلى التصويت لصالح المرشحين الذين يتبنون برامج تحافظ على الحريات الدينية في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها يوم 8 مارس 2008..
وفي السياق ذاته جاءت تصريحات "وونج كيم كونج" الأمين العام للمؤسسة الوطنية للمسيحيين الإنجيليين في ماليزيا لرويترز قبيل الانتخابات في مارس 2008: "هناك تخوف أساسي بشأن الأسلمة الخبيثة للحياة العامة".
وكان مهاتير محمد وحزبه الحاكم "أومنو" وضعا برنامجا للتحديث على أساس مبدئين رئيسيين هما : دمج الإسلام بالحياة العامة والاستمرار في سياسات التحركات الإيجابية التي بدأت في السبعينيات من القرن الماضي التي منحت المسلمين الذين يمثلون 60% من سكان البلاد تميزا في الوظائف الحكومية والتعليم.، في محاولة لتصحيح اخطاء الاحتلال البريطاني الذي همش أصحاب البلاد الأصليين، وتعرضت تلك السياسات لانتقادات من جبهتين متناقضتين ، العلمانيين الليبرال الذين يرون أن إضفاء "الصبغة الإسلامية" على المجتمع والسياسة الماليزية قد تجاوزت الحدود كما أنها تتسبب في تآكل التقاليد التي كانت يوما ليبرالية..
وكذلك حزب "باس" الإسلامي المعارض –الذي انشق عن "أومينو" منذ الخمسينيات من القرن الماضي- فإنه يرى أن مساعي حزب "أومنو" غير كافية ويطالب بتسريع خطوات الأسلمة..الأمر الذي يثير قلق الأقليات غير المسلمة التي تخشى من أن تكون حقوقها مهددة في حال نجح "باس" بالانتخابات المقبلة في 2013..
وهكذا يتضح أن اصرار المسيحيين على استخدام لفظ الجلالة بالعربية في هذا التوقيت يسعى لإحراج الحكومة الحالية وعرقلة خططها لتنفيذ مشروع "أمنو" بالكامل ، بالإضافة إلى منع حزب "باس" من الوصول للسلطة .
ففي ظل مشروع "أومنو" ، باتت الأقليات تشعر بالقلق من احتمال تهميشها ولذا تراجع تأييدها لحكومة نجيب عبد الرزاق والذي ظهر جليا في الانتخابات العامة عام 2008 ، حيث لم يحقق الحزب الحاكم أغلبية كبيرة ويبدو أن إثارة أزمة "الله" في هذا التوقيت يهدف إلى تعقيد خطط نجيب عبد الرزاق لاستعادة دعم غير المسلمين قبل انتخابات 2013 ..
تاريخ طويل من الأسلمة
مع دخول الإسلام ماليزيا في القرن الثاني عشر عن طريق التجارة والدعاة كما هو الحال في دول جنوب شرقي آسيا ، تأثرت لغة الملايو بالعربية بشكل كبير وتجلى ذلك في استخدام الحرف العربي بدل الرموز التي كانت مستخدمة في الكتابة الملايوية ، حيث استخدم الماليزيون الكتابة العربية في شكلها المعروف بالخط الجاوي نسبة إلى جزيرة جاوا الإندونيسية التي منها انتشر الإسلام في أرخبيل الملايو.
وتحتل اللغة العربية حاليا مكانة مرموقة في ماليزيا فهي موجودة مثلا على العملات الورقية واللوحات الإرشادية ودخلت المصطلحات الدينية العربية إلى الملايو دون تغيير كألفاظ العبادات والمعاملات والمناسبات الدينية ، ويكاد نصف مفردات اللغة الملايوية يكون ألفاظا عربية.
كما تنشط الحركة السياسية الإسلامية في ماليزيا منذ تأسيس حزب المسلمين المعروف بـ(حاميم) في 14 من مارس 1948 وقد تأثرت كافة تيارات الحركة في أطروحاتها الفكرية بحركة ماشومي في إندونيسيا والجماعة الإسلامية في باكستان وحركة الإخوان المسلمين في مصر ، ولكن كان عمر هذا الحزب قصيرا بسبب اعتقال قيادته تحت قانون الطوارئ في 18 من يونيو 1948 من جانب الإدارة الإنجليزية المحتلة. ومن أبرز الأحزاب والحركات الإسلامية في ماليزيا حزب أمنو ، ففي نوفمبر 1951 دعا القسم الديني في حزب المنظمة الوطنية الملايوية المتحدة "أمنو" إلى تأسيس اتحاد علماء ماليزيا وتغير فيما بعد اسم هذا الاتحاد إلى الوحدة الإسلامي الماليزي "باس" ككيان مستقل منفصل عن "أمنو" .
كما تلعب البعثات الدراسية إلى المؤسسات التعليمية الإسلامية كالأزهر الشريف مصدرا لرؤية فكرية إصلاحية إسلامية تدعو إلى الاستفادة من علوم الغرب مع التمسك بأصول الاسلام ،و الحفاظ على الهوية الماليزية .
ولعل أبرز جهود الأسلمة التي انتهجتها الحكومة الماليزية مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي ؛ تطبيق مجموعة من السياسات عكست في مجملها التوجه الحكومي لأسلمة بعض المجالات برز من خلالها نشاط جماعات الدعوة من الشباب الماليزي المثقف هذا إضافة إلى إرساء النظام لبعض المشروعات ذات الطابع الاسلامي في مجال كل من البنوك و التأمين .كما تم إنشاء الجامعة الدولية الاسلامية و عدد من المعاهد الاسلامية و شجع النظام أيضا على إقامة مسابقات للقرآن الكريم .
ومن ضمن المؤسسات الاسلامية الفاعلة " دار الأرقم" الذي بدأ نشاطها بالدعوة الإسلامية ثم ما لبث أن تحول إلى حركة جماهيرية في المناطق الحضرية والريفية عبر مجموعة من المؤسسات التعليمية و الدينية و مشروعات التنمية الريفية إضافة إلى إنشاء عدد من المشروعات الصناعية في ماليزيا و خارجها ، وقد نجح هذا التنظيم بالفعل في اجتذاب العديد من شباب المالاي في ظل الاستقلالية المادية التي أتاحت له القيام بالعديد من الأنشطة امتدت إلى المجال السياسي ....ومع ضغوط الاقليات غير المسلمة ومحاولات اللجوء لجهات أجنبية لوقف التمدد الاسلامي اضطرت الحكومة لتقليص ادوار ومساحة الحركة أمام المؤسسة في العام 1994.
مأسسة التوجهات الإسلامية
- تأسيس البنك الإسلامي للتنمية بموجب القانون المصرفي الإسلامي لعام 1983، والذي تعد مدخرات عملائه قروضاً حسنة للبنك لا يتقاضون عنها أية فوائد ثابتة، وإنما يتقاضون عائداً متغيراً تحدده الحكومة بناءً على عدة عمليات مضاربة وتمويل تجارية تدعمها الحكومة بشكل مباشر، وتمتلك الحكومة الماليزية ما نسبته 37% من هذا البنك..
- إنشاء العديد من شركات التأمين الإسلامية، بموجب قانون التكافل عام 1984..
- قامت الحكومة بتعديل قانون العقوبات؛ لتجعله أكثر انسجاماً مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
- أدخلت مادة الثقافة الدينية كمادة إجبارية في المدارس والجامعات الماليزية.
-كما قامت الحكومة بحظر تأسيس جامعات خاصة لغير الملاي، والذين يمثلون الغالبية المسلمة في البلاد، كما حظرت على غيرهم تأسيس إذاعة أو تلفزيون..
- قامت الحكومة بإنشاء جهاز استشاري إسلامي لتقديم الرأي للحكومة فيما يتعلق بالمسائل الدينية .
بجانب ذلك فقد أنشأت المحاكم الشرعية ونظامًا إسلاميًا بيروقراطيًا شاملاً - وذلك بجهد جماعي استقلَّ بذاته. كما أنَّ عدد القوانين الإسلامية التي تم فرضها تضاعف إلى أربعة أضعافها في فترة لا تزيد عن عشرة أعوام. وعلى الأرجح أنَّ نظام القضاء الشرعي في ماليزيا يعتبر النظام القضائي الأوسع والأكثر شمولية في العالم الإسلامي بعد نظام القضاء الشرعي في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى أنَّ البيروقراطية المرتبطة بذلك لا تعتبر متنفِّذة وحسب، بل تمتلك تأثيرًا أكثر من البرلمان الوطني.
بنجسا ماليزيا لتهدئة مخاوف الأعراق الأخرى
وفي أتون تلك التحولات المهمة التي شهدتها ماليزيا تواجهت الحكومات المتعاقبة بمخاوف وتحركات مناوئة من قبل الأقليات والأعراق المتعددة، أحيانا واجهتها بضغوط على الفعاليات الإسلامية وأحيانا بتوسيع هامش الحراك المجتمعي وبعض المكتسبات للأقليات لطمأنة المجتمع الدولي وتفادي المواجهات التي تعوق مشروعها كدولة عظمى وفق القيم الإسلامية، ولم تقف الحكومة عند مجرد الضغط على بعض الفاعلين والمؤسسات الاسلامية لتهدئة مخاوف الاقليات المتعددة ، بل حرصت عبر بعض المؤسسات الدينية و من اهمها المعهد الماليزي الاسلامي على تنظيم اجتماعات مع غير المسلمين لتأكيد الطابع العالمي للقيم الاسلامية .وفي يوليو 1996 قامت الحكومة الماليزية أثر إنتقادات وجهت إليها من غير المسلمين بتغيير مادة إجبارية كانت تدرس في الجامعات الماليزية بعنوان الحضارة الاسلامية لتصبح " الحضارات الإسلامية و الآسيوية ، كما سمحت السلطات لغير المسلمين بالتعبير عن وجهات نظرهم عبر مختلف أجهزة الاعلام في معارضة صريحة لبعض سياسات الأسلمة التي كانت الحكومة قد أقرتها .
واستحدثت الحكومة الماليزية سياسة جديدة أسمتها Bangsa Malaysia ، والتي تشير إلى الواقع التعددي الثقافي في البلاد...وذلك بعد اجتهادات العلماء واستشارات المؤسسات الاسلامية العالمية ، التي ارتأت عدم مخالفتها لأصول الاسلام، واعتمادها ما يسمى (فقه المقاصد)، أو متطلبات الحياة اليومية لضمان سلامة المشروع الإسلامي وعدم تجاوز حقوق الأقليات الأخرى، التي مكنها الاحتلال البريطاني من مقاليد الحياة الماليزية..قبل جلائه في 1957..
مبدأ إسلامي
على الرغم من التحديات الداخلية وضغوطات العولمة إلا ان الاستراتيجية الماليزية في بناء نموذج دولتها الفريد حرصت على أن يكون الاسلام بقيمه ومبادئه الحاكم لتلك العملية، فأخذت من العولمة وموجات التحديث العالمية ما يناسب معطياتها وواقع حياتها وشعبخا...
ومن ثم اتفقت التنمية الماليزية مع المبدأ الإسلامي الذي يجعل الإنسان محور النشاط التنموي وأداته، فأكدت تمسكها بالقيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية، مع الاهتمام بتنمية الأغلبية المسلمة لسكان البلاد الأصليين من الملاويين وتشجيعهم على العمل بالقطاعات الإنتاجية الرائدة، فضلاً عن زيادة ملكيتهم لها• كما وفرت لأفراد المجتمع إمكانات تحصيل العلم في مراحله المختلفة، وتسهيل التمرين والتدريب ورفع مستوى الإنتاجية، وترتيبات الارتفاع بالمستوى الصحي وتوقعات العمر، فنجحت في تحسين مستويات معيشة الأغلبية العظمى من أفراد الشعب كماً ونوعاً، وخصوصاً مع ارتفاع متوسط الدخل الفردي
كذلك انتهجت ماليزيا استراتيجية الاعتماد على الذات في الاضطلاع بالعبء التنموي، سواء البشري أو التمويلي، حيث عملت على حشد المدخرات المحلية اللازمة لاستغلال الموارد الإلهية المتاحة• أيضاً اهتمت ماليزيا بتجربة تحسين المؤشرات الاجتماعية لرأس المال البشري الإسلامي، سواء كان من أهل البلاد الأصليين أو من المهاجرين إليها من المسلمين الذين ترحب السلطات بتوطينهم، كما أسهم ارتفاع نصيب الملاويين في الملكية المشتركة للثروة في القطاعات الإنتاجية المختلفة، فضلاً عن القطاع المالي والمصرفي، إلى توفير رؤوس الأموال المحلية اللازمة لمختلف أوجه التنمية بصورة متزايدة والتي أسهمت في الإقلال من الديون الخارجية، وما يترتب عليها من زيادة عبء الدين الذي يرهق الموارد اللازمة للتنمية، فضلاً عن العواقب الوخيمة اجتماعياً وسياسياً
الشورى
طبيعة دور الدولة في النشاط الاقتصادي في ماليزيا تتم من خلال القنوات الديموقراطية للشورى المتمثلة في الأحزاب الماليزية المتعددة التي توفر أوسع مشاركة ممكنة للناس في مناقشة جميع القضايا المتعلقة بالمصلحة العامة، ومتابعة السلطة التنفيذية في تطبيقها الجاد لجميع السياسات التي يتم الموافقة عليها •والتزمت الحكومة الماليزية بالأسلوب الإسلامي السليم في ممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية وتوجيه الموارد، ففي حين عملت على تحويل ملكية مختلف المشروعات الاقتصادية إلى القطاع الخاص، فقد نمت مسؤولية الأفراد وأشركتهم عملياً في تحقيق الأهداف القومية، واحتفظت بسهم خاص في إدارة المؤسسات ذات الأهمية الاجتماعية والاستراتيجية، لعدم التخلي عن دورها في ممارسة الرقابة والإشراف عليها• ومن ناحية أخرى أسهمت الحكومة في التقليل من الآثار السلبية للتحول إلى القطاع الخاص عن طريق منح تأمين ضد البطالة للعاملين في الخدمات التي تم تحويلها إلى القطاع الخاص، مع وعدهم بأجور أعلى في المدى القريب..
ختاما يمكننا قراءة تلك المؤشرات والمعادلات القائمة في ماليزيا ضمن سياق محاولة تحريك المخاوف من المشروع الإسلامي إلا أن تجربة ماليزيا الفريدة من نوعها يبدو أنها في طريقها لتحقيق حلم التحول إلى دولة كبرى بحلول عام 2020 على أساس المشاركة والاندماج بين كافة مكوناتها العرقية والدينية...رغم الأزمات التي تحاول جهات داخلية وخارجية إلقاءها أمام صانعي السياسة الماليزية، الذين تجاوزوا أزمات أكبر من ذلك خلال التاريخ السياسي المعاصر للدولة الماليزية التي اذهلت الغرب وقلبت حساباته أبان أزمة الاقتصادات الآسيوية في 1997 التي وقف ورائها جهات غرية ويخودية عالمية؛ حيث رفضت ماليزيا كافة نصائح وسياسات صندوق النقد الدولي واتبعت سياسات محلية اخرجتها من الأزمة الاقتصادية أقوى مما كانت وأعادت الاعتبار لعملتها المحلية وأعادت الاستثمارات الماليزية في الدول الاسيوية والغربية إلى داخل منظومتها الاقتصادية التي تبدا وتنتهي في غالبها عند الآداب والحكام الشرعية الإسلامية.....
إلا أن المسلم به من خلال تلك القراءة أن النموذج الماليزي في الجمع بين القيم الإسلامية وقيم المعاصرة والحضارة بات يشكل خطرا على نموذج الحضارة الغربية بمفرداتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وبدا القلق ينتاب الثقافة الغربية التي طالما ربطت بين الدين والتخلف الحضاري، ومقولات العلمانية التي ربطت بين التقدم وموجات التنمية والتحديث والتطور في المجتمعات الغربية بفصل الدين عن الدولة أو عن السياسة –كما تروج الآلة الإعلامية الغربية...إلا أن النموذج الماليزي الذي نجح في الجمع بين الاسلام كقيم حاكمة وآداب مجتمعية ونظام اجتماعي-إلى حد كبير- وبين التنمية بمعدلاتها الكبيرة أثبت عكس مثل تلك المقولات على الرغم من الموزازييك الاجتماعي وتعدد الطوائف والملل في تلك الدولة التي يطلق عليها الاسيويون "بوتقة الانصهار" ....
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
واعذرني على الاضافة
على موضوعك بدون آذن
تحياتي
ريانية العود- إدارة
- عدد المساهمات : 17871
تاريخ التسجيل : 15/01/2011
الموقع : قلب قطر
رد: الإسلام الحضاري.. مشروع النهضة الماليزي
أختي الفاضلة أريدك أن تعرفي بأن أي إضافة لمواضيعي من طرفك أو أي عضو من المنتدى تكون مفيدة وهادفة إعلمي بأنها تونير وتعطر وتزكي مواضيعي فإننا نتكامل ونبيني بعضنا البعض لخدمة زوار ومتطلعي المنتدنا الغالي فعذركي مقبول بصدر رحب
محمدالجزائري- عضو برونزي
- عدد المساهمات : 172
تاريخ التسجيل : 10/10/2011
مواضيع مماثلة
» بحث بعنوان الإسلام وعصر النهضة
» من روائع الفقه الحضاري للصحابة
» سرعوف الاوركيد الماليزي احد اجمل الحشرات
» الأثاث الماليزي والأندونيسي يقضي على النجار الجزائري
» فكرة مشروع ناجحة على الانترنت : فكرة مشروع للتسوق الالكتروني
» من روائع الفقه الحضاري للصحابة
» سرعوف الاوركيد الماليزي احد اجمل الحشرات
» الأثاث الماليزي والأندونيسي يقضي على النجار الجزائري
» فكرة مشروع ناجحة على الانترنت : فكرة مشروع للتسوق الالكتروني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس يونيو 20, 2024 12:29 pm من طرف azzouzekadi
» لحدود ( المقدرة شرعاً )
الثلاثاء يوليو 04, 2023 1:42 pm من طرف azzouzekadi
» يؤدي المصلون الوهرانيون الجمعة القادم صلاتهم في جامع عبد الحميد بن باديس
الأحد ديسمبر 15, 2019 10:06 pm من طرف azzouzekadi
» لا اله الا الله
الأحد يناير 28, 2018 7:51 pm من طرف azzouzekadi
» قصص للأطفال عن الثورة الجزائرية. بقلم داؤود محمد
الثلاثاء يناير 31, 2017 11:52 pm من طرف azzouzekadi
» عيدكم مبارك
الإثنين سبتمبر 12, 2016 11:14 pm من طرف azzouzekadi
» تويتر تساعد الجدد في اختياراتهم
السبت فبراير 06, 2016 3:47 pm من طرف azzouzekadi
» لاتغمض عينيك عند السجود
السبت يناير 30, 2016 10:52 pm من طرف azzouzekadi
» مباراة بين لاعبي ريال مدريد ضد 100 طفل صيني
الخميس يناير 14, 2016 11:18 pm من طرف azzouzekadi