المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
ريانية العود | ||||
عادل لطفي | ||||
عذب الكلام | ||||
zineb | ||||
azzouzekadi | ||||
بريق الكلمة | ||||
TARKANO | ||||
ليليان عبد الصمد | ||||
ام الفداء | ||||
السنديانة |
بحـث
.ft11 {FONT-SIZE: 12px; COLOR: #ff0000; FONT-FAMILY: Tahoma,Verdana, Arial, Helvetica; BACKGROUND-COLOR: #eeffff}
.IslamicData
{ font-family: Tahoma, Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif;
font-size: 10pt; font-style: normal; line-height: normal; font-weight:
normal; font-variant: normal; color: #000000; text-decoration: none}
الساعة
عدد زوار المنتدى
الجزيرة الخضراء ثغر الاندلس الباسم
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الجزيرة الخضراء ثغر الاندلس الباسم
مدن إسلامية
الجزيرة الخضراء ثغر الأندلس الباسم
الأستاذ محمد القاضي
طنجة
تقديم
لمدينة الجزيرة الخضراء تاريخ قديم بصفتها إحدى القواعد الإسلامية الأندلسية في العصر الوسيط. وهي تقع في أقصى الطرف الجنوبي لإسبانيا، وتحظى بموقع بحري هام. وقد كانت إبان الوجود العربي بإسبانيا محطة استراتيجية لنزول المحاربين العرب والمغاربة شأنها في ذلك شأن شقيقتيها: جبل طارق وطريفة. فهي بهذا الاعتبار همزة وصل بين الأندلس والمغرب.
تقول المصادر الإسبانية إن مدينة الجزيرة الخضراء كانت موجودة قبل الفتح العربي الإسلامي في شكل مرفإ تجاري قديم أنشأه الوندال، ثم استولى عليه الرومان في الجنوب الشرقي من المدينة الحالية. وقد عثر على بقايا مسرح وسوق ومساكن تدل على القيمة الاستراتيجية لذلك الجزء من الساحل الجنوبي من شبه الجزيرة الإيبيرية.
وقد أطلق عليها طارق بن زياد اسم جزيرة أم حكيم نسبة إلى جارية كان قد حملها معه، فتركها بهذه الجزيرة، فنسبت إليها. يقول الأستاذ الباحث الإسباني خواكين فالفي (Jouaquine Vallvé) في خطاب الدخول إلى المجمع التاريخي الإسباني في مدريد:
أنا أعتقد أن الجزيرة الخضراء اسم معرب من كلمة جديرة ( Gadeira) وبأن مجاز الخضراء يساوي Gadeira أو بالأحرى المضيق القادسي... إني أظن أن اسم جزيرة أم حكيم ترجمة حرفية لجزيرة هيرا (Hera) أو خونو (Juno) الإلهة الأم للنصائح الجيدة، وهو بالضبط ما يعنيه اسم أم حكيم([1]).
أقيمت مدينة الجزيرة الخضراء الحالية إذن على مرسى أم حكيم. وهي على ربوة مشرفة على البحر، وبينها وبين جبل طارق 18 كلم، حيث يفصل بينهما مدينة صغيرة تسمى لالينيا (Lalinea). وهي تابعة لإقليم قادس. وصفها ياقوت الحموي في "معجمـ"ـه بأنها أشرف المدن وأطيبها أرضاً، وسورها يضرب به ماء البحر، ولا يحيط بها كما تكون الجزائر، لكنها متصلة ببر الأندلس لا حائل من الماء دونها... ومرساها من أجود المراسي للجواز وأقربها من البحر الأعظم([2]).
أما عبد الواحد المراكشي، فاعتبرها أقل بلاد الأندلس عرضاً على البحر الجنوبي منها (يعني بحر الروم) عرضها ست وثلاثون درجة([3]).
وجعلها صاحب "أزهار الرياض":
باب هذا الوطن (يعني الأندلس) الذي منه طرق وادعه، ومطلع الحق الذي صدع الباطل صادعه، وثنية الفتح التي برق منها لامعه، ومشرب الهجوم الذي لم تكن لتعثر على غير مطامعه، وفرضة المجاز التي لا تنكر، ومجمع البحرين في بعض ما يذكر، حيث يتقارب الشطآن، ويتوازى الخطان، وكاد أن تلتقي حلقتا البطان([4]).
الجزيرة الخضراء والفتح الإسلامي
تذهب المراجع الإسلامية إلى أن عبور طارق بن زياد إليها كان في سنة 92 هـ.
فقد تجمع المسلمون عند الجبل الذي سيعرف باسمه (جبل طارق). واجتهد طارق في أن يحصن هذا الموضع تحصيناً طيباً ليتخذ منه حصناً يحتمي به المسلمون إذا حدث ما لم يكن منتظراً. ولم يكد يفرغ من ذلك حتى بعث عبد الملك بن أبي عامر في فرقة مختارة من الجند سارت بحذاء الساحل شمالاً... ثم انحدرت نحو الجنوب واستولت على بلدة الجزيرة الخضراء في مقابل جبل طارق، وبذلك أصبح مضيق جبل طارق كله في يد المسلمين، وعهد طارق إلى يوليان ومن معه من الجند حراسة هذا الموضع وحمايته من كل هجوم منتظر، وأمن المسلمون أن يعبر أحد إلى مركزهم الأول عند جبل طارق فيهدد مراكزهم وطريق مواصلاتهم مع إفريقية ([5]).
اتخذ طارق بن زياد الجزيرة الخضراء قاعدة عسكرية لتغطية انسحابه في حالة الهزيمة، وذلك لشدة اتصال هذه المنطقة بالساحل المغربي، ثم تقدم بحذر شديد بحذاء الساحل الجنوبي متجهاً نحو الغرب حتى بلغ منطقة المستنقعات الغربية المعروفة باسم »البحيرة« أو بحيرة الخندق حيث التقى بملك القوط لوذريق: »فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزمت الميمنة والميسرة، انهزم بهم ششبرت وأبة، إبنا غيطشة، ثم قابل القلب شيئاً من قتال، ثم انهزم لوذريق وأدرع (أكثر) فيهم المسلمون بالقتل، وغاب لوذريق فلم يدر أين وقع«([6]).
استوطنها بعد الفتح عرب كنانة، وخولان، وبنو عذرة، ولخم، وجذام([7]). وانضاف إليهم البربر بعد ذلك، واندمج أغلبيتهم في صفوف العامة، وانصهر الجميع في بوتقة واحدة في البداية قبل أن تعصف بهم الصراعات السياسية والطائفية بعد قيام الدولة الأموية. وقد ندر أن يقع حادث سياسي أو عسكري مهم على جانبي المضيق دون أن تتأثر به وتشتبك فيه.
الجزيرة الخضراء ومرحلة جديدة في التاريخ
أصبحت الجزيرة الخضراء بعد الفتح العربي الإسلامي مدينة مزدهرة بحكم موقعها وأهميتها الاستراتيجية الرابطة بين العدوتين. وقد حكمها أمراء من البيوت المالكة، فسهروا على البناء والتشييد وخلق مشاريع للعمران والاستقرار. لذا شرع في وضع التصميمات لهذا الاستقرار ببناء المسجد الجامع فوق هضبة يقع في منتصفها، وجاء آية في الفن المعماري والزخرفة، له خمسة صحون وساحة واسعة وأروقة من ناحيته الشمالية. وبني مسجد آخر قرب الشاطئ اسمه مسجد الرايات الذي يقول عنه الإدريسي إن سبب هذه التسمية هو أن الرايات التي حملتها كتائب الفاتح طارق بن زياد حفظت في ذلك المكان بعد زحفها من جبل طارق. ويقول آخرون إن حملة الرايات ـ وهم قادة الكتائب ـ اجتمعوا قرب ذلك المكان لعقد مؤتمر عسكري. »فلما عبر ـ أي موسى بن نصير ـ، انتظرهم في مكان على مقربة من الجزيرة الخضراء ابتنى فيه مسجداً، وأخذت الرايات تفد عليه في ذلك الموضع، فعرف الموضع والمسجد بمسجد الرايات، وظلا عامرين قروناً طويلة«([8]). ويروى أن المجوس الذين أغاروا على المدينة سنة 860 م نصبوا أعلامهم هناك بعد أن أحرقوا مساجدها. ولما طردهم المسلمون وأعادوا بناء المسجد، صنعوا له باباً من أخشاب سفن المجوس. وقد اشتهر بأنه أول مسجد بني في الأندلس، وكان أهل البلاد يأتون إليه ليؤدوا فيه صلاة الاستسقاء في سنوات الجفاف.
وشق في شرق المدينة خندق كبير حول الحصون واكتظ غربها بأشجار التين، ويمر من هناك مجرى ماء عذب، ويخترقها نهر العسل الذي يمد السكان بمياه الشرب وعلى ضفتيه حدائق غناء. أما قلعتها الحصينة، فكانت تطل على الوديان الواقعة بين الشعاب في الشرق، وشيدت أسوارها بحجارة شد بعضها إلى بعض بملاط، وكانت فيها ثلاثة أبواب واسم الغربي منها باب حمزة، واسم الشمالي باب طرفة؛ أما الباب الجنوبي، فيؤدي إلى المرفإ، وكان في وسطها دار صناعة ضخمة لبناء السفن، ومصنع كبير للأسلحة بناهما عبد الرحمن الثاني الأموي وأحاطهما بأسوار منيعة عالية. أما أسواقها، فكانت متصلة من الجامع إلى شاطئ البحر. ونمت في المدينة عدة صناعات واتسعت مرساها بكثرة الصادرات والواردات والقادمين إليه والمسافرين منه، واختلط فيها تجار الشرق بتجار الغرب، وانتشر فيها الرخاء وطابت سكناها، وعن طريقها انتقلت الآراء والتقاليد الشرقية إلى إسبانيا([9]).
قال ابن سعيد نقلاً عن الرازي:
مدينة الجزيرة الخضراء من أرشق المدن وأطيبها، وأرفقها بأهلها، وأجمعها لخير البر والبحر وقرب المنافع من كل جهة. توسطت مدن الساحل وأشرفت بسورها على البحر، ومرساها أحسن المراسي للجواز، وأرضها أرض زرع وضرع ونتاج... وعندما يخرج الإنسان من بابها، يجد المياه الجارية والبساتين النضرة ونهرها يعرف بوادي العسل. سمي بذلك لحلاوته، وعليه موضع سهل، عليه حاجب مشرف على النهر والبحر في نهايته من الحسن، يعرف بالحاجبية. ومن منتزهاتها النقا، ومقابرها حسنة، وفي نهاية من الأخذ بالقلوب والفرجة، وولاتها تتردد عليها من إشبيليا ([10]).
الجزيرة الخضراء قبل الأمويين وبعدهم
لم تكد تمضي عقود من الزمن على الفتح الإسلامي حتى طفت على الساحة الأندلسية الاضطرابات والمنازعات العربية والبربرية، فاضطرمت البلاد بالفتن واتسع نطاق الثورات:
وكانت الفتن والحروب الأهلية المتعاقبة تدفع بالأندلس إلى مصير مجهول تخشى عواقبه، وتعصف تباعاً بمنعة الإسلام في الغرب، وتشجع الفرنج ونصارى الشمال على اقتطاع الأطراف النائية، والتوغل في الأراضي الإسلامية. وكان من عناية القدر أن تولى أمر الأندلس في ذلك المأزق العصيب، رجل قوي حازم هو يوسف بن عبد الرحمن الفهري. ولكن ولاية يوسف لم تكن حلاًّ نهائياً للأزمة، لأنه تولى دون مصادقة شرعية من السلطة العليا، ولأن منافسيه من الزعماء والخوارج لم يقروا بولايته... وكان للانقلاب الذي وقع في المشرق صداه في الأندلس؛ إذ قام بعض الخوارج على يوسف يدعو لبني العباس طمعاً في الرياسة، ولكنه كان صدى ضعيفاً لم يحدث أثره، واستمر يوسف ثابتاً في مركزه يناهض الخارجين عليه بقوة وعزم... ([11]).
فوقع ما لم يكن في الحسبان. فقد وصل الأندلس عبد الرحمن الأموي، وانتشرت دعوته في جنوب البلاد؛ فذعر يوسف، وذاع النبأ في الجيش. فسرى إليه الخلل وتسللت العناصر الناقمة، ولم يبق منه سوى فلول يسيرة. فبدأت المواجهات بينهما أدت في النهاية إلى انتصار عبد الرحمن وإعلان الدولة الأموية بالأندلس سنة 138 هـ/ 756 م([12]).
استطاع عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) أن يحكم الأندلس زهاء عشرة أعوام في ظروف عصيبة وخطيرة، وأن يسهر على وحدتها وسلامتها بقوة وذكاء، وأن يدرأ عنها خطر نصارى الشمال والفرنج. وكان أول الخوارج عليه القاسم بن يوسف وحليفه رزق بن النعمان الغساني. وكان القاسم قد فر من طليطلة، فسار إلى الجزيرة الخضراء والتجأ إلى شيخها رزق بن النعمان صديق أبيه، وحشد حوله جمعاً من الأنصار والمرتزقة واستولى بمعونة حليفه على شذونة، ثم سارا في قواتهما إلى إشبيليا واحتلاها، فبادر عبد الرحمن في قواته إلى إشبيليا ونشبت بينه وبين الخوارج معركة عنيفة، قُتل فيها رزق بن النعمان ومُزّق جنده، ودخل عبد الرحمن إشبيليا ظافراً سنة 143 هـ. أما القاسم، فالتجأ بقواته إلى شذونة وبعث عبد الرحمن في أثره تـمّاماً والي طليطلة؛ فطارده حتى أسره ومزق قوته([13]).
وفي سنة 164 هـ، ثار بالجزيرة الخضراء واليها الرماحس بن عبد العزيز الكناني.
وجاء الخبر إلى الأمير (عبد الرحمن) يوم الجمعة، فخرج إليه يوم السبت. فلم يشعر الرماحس يوم الأربعاء إلى عشرة أيام من خلعه حتى طلعت عليه الخيل، وكان في الحمام قد اطّلى بالنورة، فطرح النورة عن نفسه، ودخل بأهله في مركب، فجاز في البحر حتى قدم على أبي جعفر المنصور ([14]).
وفي سنة 236 هـ، ثار حبيب البرنسي بجبال الجزيرة الخضراء:
واجتمع له خلق من أهل الفساد في الأرض. فشن بهم الغارة على قرى رية وغيرها، فأشاع الأذى، ونهب، وقتل، وسبى. فأخرج الأمير عبد الرحمن عند ذلك الخيل مع عباس بن مضاء. فألفى أضداده قد قصدوا حبيباً وأصحابه، فأوقعوا بهم وقصوهم، وقتلوا خلقاً منهم وتفرقت بقيتهم. فانخنس حبيب رئيسهم في غمار الناس، وطفئت ثائرته، وطلب دهراً فلم يظفر به([15]).
الجزيرة الخضراء ثغر الأندلس الباسم
الأستاذ محمد القاضي
طنجة
تقديم
لمدينة الجزيرة الخضراء تاريخ قديم بصفتها إحدى القواعد الإسلامية الأندلسية في العصر الوسيط. وهي تقع في أقصى الطرف الجنوبي لإسبانيا، وتحظى بموقع بحري هام. وقد كانت إبان الوجود العربي بإسبانيا محطة استراتيجية لنزول المحاربين العرب والمغاربة شأنها في ذلك شأن شقيقتيها: جبل طارق وطريفة. فهي بهذا الاعتبار همزة وصل بين الأندلس والمغرب.
تقول المصادر الإسبانية إن مدينة الجزيرة الخضراء كانت موجودة قبل الفتح العربي الإسلامي في شكل مرفإ تجاري قديم أنشأه الوندال، ثم استولى عليه الرومان في الجنوب الشرقي من المدينة الحالية. وقد عثر على بقايا مسرح وسوق ومساكن تدل على القيمة الاستراتيجية لذلك الجزء من الساحل الجنوبي من شبه الجزيرة الإيبيرية.
وقد أطلق عليها طارق بن زياد اسم جزيرة أم حكيم نسبة إلى جارية كان قد حملها معه، فتركها بهذه الجزيرة، فنسبت إليها. يقول الأستاذ الباحث الإسباني خواكين فالفي (Jouaquine Vallvé) في خطاب الدخول إلى المجمع التاريخي الإسباني في مدريد:
أنا أعتقد أن الجزيرة الخضراء اسم معرب من كلمة جديرة ( Gadeira) وبأن مجاز الخضراء يساوي Gadeira أو بالأحرى المضيق القادسي... إني أظن أن اسم جزيرة أم حكيم ترجمة حرفية لجزيرة هيرا (Hera) أو خونو (Juno) الإلهة الأم للنصائح الجيدة، وهو بالضبط ما يعنيه اسم أم حكيم([1]).
أقيمت مدينة الجزيرة الخضراء الحالية إذن على مرسى أم حكيم. وهي على ربوة مشرفة على البحر، وبينها وبين جبل طارق 18 كلم، حيث يفصل بينهما مدينة صغيرة تسمى لالينيا (Lalinea). وهي تابعة لإقليم قادس. وصفها ياقوت الحموي في "معجمـ"ـه بأنها أشرف المدن وأطيبها أرضاً، وسورها يضرب به ماء البحر، ولا يحيط بها كما تكون الجزائر، لكنها متصلة ببر الأندلس لا حائل من الماء دونها... ومرساها من أجود المراسي للجواز وأقربها من البحر الأعظم([2]).
أما عبد الواحد المراكشي، فاعتبرها أقل بلاد الأندلس عرضاً على البحر الجنوبي منها (يعني بحر الروم) عرضها ست وثلاثون درجة([3]).
وجعلها صاحب "أزهار الرياض":
باب هذا الوطن (يعني الأندلس) الذي منه طرق وادعه، ومطلع الحق الذي صدع الباطل صادعه، وثنية الفتح التي برق منها لامعه، ومشرب الهجوم الذي لم تكن لتعثر على غير مطامعه، وفرضة المجاز التي لا تنكر، ومجمع البحرين في بعض ما يذكر، حيث يتقارب الشطآن، ويتوازى الخطان، وكاد أن تلتقي حلقتا البطان([4]).
الجزيرة الخضراء والفتح الإسلامي
تذهب المراجع الإسلامية إلى أن عبور طارق بن زياد إليها كان في سنة 92 هـ.
فقد تجمع المسلمون عند الجبل الذي سيعرف باسمه (جبل طارق). واجتهد طارق في أن يحصن هذا الموضع تحصيناً طيباً ليتخذ منه حصناً يحتمي به المسلمون إذا حدث ما لم يكن منتظراً. ولم يكد يفرغ من ذلك حتى بعث عبد الملك بن أبي عامر في فرقة مختارة من الجند سارت بحذاء الساحل شمالاً... ثم انحدرت نحو الجنوب واستولت على بلدة الجزيرة الخضراء في مقابل جبل طارق، وبذلك أصبح مضيق جبل طارق كله في يد المسلمين، وعهد طارق إلى يوليان ومن معه من الجند حراسة هذا الموضع وحمايته من كل هجوم منتظر، وأمن المسلمون أن يعبر أحد إلى مركزهم الأول عند جبل طارق فيهدد مراكزهم وطريق مواصلاتهم مع إفريقية ([5]).
اتخذ طارق بن زياد الجزيرة الخضراء قاعدة عسكرية لتغطية انسحابه في حالة الهزيمة، وذلك لشدة اتصال هذه المنطقة بالساحل المغربي، ثم تقدم بحذر شديد بحذاء الساحل الجنوبي متجهاً نحو الغرب حتى بلغ منطقة المستنقعات الغربية المعروفة باسم »البحيرة« أو بحيرة الخندق حيث التقى بملك القوط لوذريق: »فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزمت الميمنة والميسرة، انهزم بهم ششبرت وأبة، إبنا غيطشة، ثم قابل القلب شيئاً من قتال، ثم انهزم لوذريق وأدرع (أكثر) فيهم المسلمون بالقتل، وغاب لوذريق فلم يدر أين وقع«([6]).
استوطنها بعد الفتح عرب كنانة، وخولان، وبنو عذرة، ولخم، وجذام([7]). وانضاف إليهم البربر بعد ذلك، واندمج أغلبيتهم في صفوف العامة، وانصهر الجميع في بوتقة واحدة في البداية قبل أن تعصف بهم الصراعات السياسية والطائفية بعد قيام الدولة الأموية. وقد ندر أن يقع حادث سياسي أو عسكري مهم على جانبي المضيق دون أن تتأثر به وتشتبك فيه.
الجزيرة الخضراء ومرحلة جديدة في التاريخ
أصبحت الجزيرة الخضراء بعد الفتح العربي الإسلامي مدينة مزدهرة بحكم موقعها وأهميتها الاستراتيجية الرابطة بين العدوتين. وقد حكمها أمراء من البيوت المالكة، فسهروا على البناء والتشييد وخلق مشاريع للعمران والاستقرار. لذا شرع في وضع التصميمات لهذا الاستقرار ببناء المسجد الجامع فوق هضبة يقع في منتصفها، وجاء آية في الفن المعماري والزخرفة، له خمسة صحون وساحة واسعة وأروقة من ناحيته الشمالية. وبني مسجد آخر قرب الشاطئ اسمه مسجد الرايات الذي يقول عنه الإدريسي إن سبب هذه التسمية هو أن الرايات التي حملتها كتائب الفاتح طارق بن زياد حفظت في ذلك المكان بعد زحفها من جبل طارق. ويقول آخرون إن حملة الرايات ـ وهم قادة الكتائب ـ اجتمعوا قرب ذلك المكان لعقد مؤتمر عسكري. »فلما عبر ـ أي موسى بن نصير ـ، انتظرهم في مكان على مقربة من الجزيرة الخضراء ابتنى فيه مسجداً، وأخذت الرايات تفد عليه في ذلك الموضع، فعرف الموضع والمسجد بمسجد الرايات، وظلا عامرين قروناً طويلة«([8]). ويروى أن المجوس الذين أغاروا على المدينة سنة 860 م نصبوا أعلامهم هناك بعد أن أحرقوا مساجدها. ولما طردهم المسلمون وأعادوا بناء المسجد، صنعوا له باباً من أخشاب سفن المجوس. وقد اشتهر بأنه أول مسجد بني في الأندلس، وكان أهل البلاد يأتون إليه ليؤدوا فيه صلاة الاستسقاء في سنوات الجفاف.
وشق في شرق المدينة خندق كبير حول الحصون واكتظ غربها بأشجار التين، ويمر من هناك مجرى ماء عذب، ويخترقها نهر العسل الذي يمد السكان بمياه الشرب وعلى ضفتيه حدائق غناء. أما قلعتها الحصينة، فكانت تطل على الوديان الواقعة بين الشعاب في الشرق، وشيدت أسوارها بحجارة شد بعضها إلى بعض بملاط، وكانت فيها ثلاثة أبواب واسم الغربي منها باب حمزة، واسم الشمالي باب طرفة؛ أما الباب الجنوبي، فيؤدي إلى المرفإ، وكان في وسطها دار صناعة ضخمة لبناء السفن، ومصنع كبير للأسلحة بناهما عبد الرحمن الثاني الأموي وأحاطهما بأسوار منيعة عالية. أما أسواقها، فكانت متصلة من الجامع إلى شاطئ البحر. ونمت في المدينة عدة صناعات واتسعت مرساها بكثرة الصادرات والواردات والقادمين إليه والمسافرين منه، واختلط فيها تجار الشرق بتجار الغرب، وانتشر فيها الرخاء وطابت سكناها، وعن طريقها انتقلت الآراء والتقاليد الشرقية إلى إسبانيا([9]).
قال ابن سعيد نقلاً عن الرازي:
مدينة الجزيرة الخضراء من أرشق المدن وأطيبها، وأرفقها بأهلها، وأجمعها لخير البر والبحر وقرب المنافع من كل جهة. توسطت مدن الساحل وأشرفت بسورها على البحر، ومرساها أحسن المراسي للجواز، وأرضها أرض زرع وضرع ونتاج... وعندما يخرج الإنسان من بابها، يجد المياه الجارية والبساتين النضرة ونهرها يعرف بوادي العسل. سمي بذلك لحلاوته، وعليه موضع سهل، عليه حاجب مشرف على النهر والبحر في نهايته من الحسن، يعرف بالحاجبية. ومن منتزهاتها النقا، ومقابرها حسنة، وفي نهاية من الأخذ بالقلوب والفرجة، وولاتها تتردد عليها من إشبيليا ([10]).
الجزيرة الخضراء قبل الأمويين وبعدهم
لم تكد تمضي عقود من الزمن على الفتح الإسلامي حتى طفت على الساحة الأندلسية الاضطرابات والمنازعات العربية والبربرية، فاضطرمت البلاد بالفتن واتسع نطاق الثورات:
وكانت الفتن والحروب الأهلية المتعاقبة تدفع بالأندلس إلى مصير مجهول تخشى عواقبه، وتعصف تباعاً بمنعة الإسلام في الغرب، وتشجع الفرنج ونصارى الشمال على اقتطاع الأطراف النائية، والتوغل في الأراضي الإسلامية. وكان من عناية القدر أن تولى أمر الأندلس في ذلك المأزق العصيب، رجل قوي حازم هو يوسف بن عبد الرحمن الفهري. ولكن ولاية يوسف لم تكن حلاًّ نهائياً للأزمة، لأنه تولى دون مصادقة شرعية من السلطة العليا، ولأن منافسيه من الزعماء والخوارج لم يقروا بولايته... وكان للانقلاب الذي وقع في المشرق صداه في الأندلس؛ إذ قام بعض الخوارج على يوسف يدعو لبني العباس طمعاً في الرياسة، ولكنه كان صدى ضعيفاً لم يحدث أثره، واستمر يوسف ثابتاً في مركزه يناهض الخارجين عليه بقوة وعزم... ([11]).
فوقع ما لم يكن في الحسبان. فقد وصل الأندلس عبد الرحمن الأموي، وانتشرت دعوته في جنوب البلاد؛ فذعر يوسف، وذاع النبأ في الجيش. فسرى إليه الخلل وتسللت العناصر الناقمة، ولم يبق منه سوى فلول يسيرة. فبدأت المواجهات بينهما أدت في النهاية إلى انتصار عبد الرحمن وإعلان الدولة الأموية بالأندلس سنة 138 هـ/ 756 م([12]).
استطاع عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) أن يحكم الأندلس زهاء عشرة أعوام في ظروف عصيبة وخطيرة، وأن يسهر على وحدتها وسلامتها بقوة وذكاء، وأن يدرأ عنها خطر نصارى الشمال والفرنج. وكان أول الخوارج عليه القاسم بن يوسف وحليفه رزق بن النعمان الغساني. وكان القاسم قد فر من طليطلة، فسار إلى الجزيرة الخضراء والتجأ إلى شيخها رزق بن النعمان صديق أبيه، وحشد حوله جمعاً من الأنصار والمرتزقة واستولى بمعونة حليفه على شذونة، ثم سارا في قواتهما إلى إشبيليا واحتلاها، فبادر عبد الرحمن في قواته إلى إشبيليا ونشبت بينه وبين الخوارج معركة عنيفة، قُتل فيها رزق بن النعمان ومُزّق جنده، ودخل عبد الرحمن إشبيليا ظافراً سنة 143 هـ. أما القاسم، فالتجأ بقواته إلى شذونة وبعث عبد الرحمن في أثره تـمّاماً والي طليطلة؛ فطارده حتى أسره ومزق قوته([13]).
وفي سنة 164 هـ، ثار بالجزيرة الخضراء واليها الرماحس بن عبد العزيز الكناني.
وجاء الخبر إلى الأمير (عبد الرحمن) يوم الجمعة، فخرج إليه يوم السبت. فلم يشعر الرماحس يوم الأربعاء إلى عشرة أيام من خلعه حتى طلعت عليه الخيل، وكان في الحمام قد اطّلى بالنورة، فطرح النورة عن نفسه، ودخل بأهله في مركب، فجاز في البحر حتى قدم على أبي جعفر المنصور ([14]).
وفي سنة 236 هـ، ثار حبيب البرنسي بجبال الجزيرة الخضراء:
واجتمع له خلق من أهل الفساد في الأرض. فشن بهم الغارة على قرى رية وغيرها، فأشاع الأذى، ونهب، وقتل، وسبى. فأخرج الأمير عبد الرحمن عند ذلك الخيل مع عباس بن مضاء. فألفى أضداده قد قصدوا حبيباً وأصحابه، فأوقعوا بهم وقصوهم، وقتلوا خلقاً منهم وتفرقت بقيتهم. فانخنس حبيب رئيسهم في غمار الناس، وطفئت ثائرته، وطلب دهراً فلم يظفر به([15]).
الاشبيلي- مشرف عام
- عدد المساهمات : 528
تاريخ التسجيل : 15/01/2011
رد: الجزيرة الخضراء ثغر الاندلس الباسم
موضوع جميل و رائع
استمتعت كثيراً و أنا أٌقرأ ..
بارك الله فيك
استمتعت كثيراً و أنا أٌقرأ ..
بارك الله فيك
عذب الكلام- مشرف
- عدد المساهمات : 6185
تاريخ التسجيل : 17/01/2011
العمر : 45
رد: الجزيرة الخضراء ثغر الاندلس الباسم
بارك الله فيك
الاشبيلي
الاشبيلي
سيف العرب- مشرف
- عدد المساهمات : 335
تاريخ التسجيل : 19/01/2011
رد: الجزيرة الخضراء ثغر الاندلس الباسم
بارك الله فيك
الصحفي الصغير- عضو ذهبي
- عدد المساهمات : 1440
تاريخ التسجيل : 15/01/2011
العمر : 25
مواضيع مماثلة
» أهلا وسهلا ..الشمعة الخضراء
» الجزيرة الحضراء
» أخر أخبار المنتخب الجزائري على الجزيرة
» نساء "وادي سوف" يحرمن من حقهن في الاستمتاع في ا لمساحات الخضراء
» وثائق السرية فلسطينية اسرائلية/ الجزيرة نت
» الجزيرة الحضراء
» أخر أخبار المنتخب الجزائري على الجزيرة
» نساء "وادي سوف" يحرمن من حقهن في الاستمتاع في ا لمساحات الخضراء
» وثائق السرية فلسطينية اسرائلية/ الجزيرة نت
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس يونيو 20, 2024 12:29 pm من طرف azzouzekadi
» لحدود ( المقدرة شرعاً )
الثلاثاء يوليو 04, 2023 1:42 pm من طرف azzouzekadi
» يؤدي المصلون الوهرانيون الجمعة القادم صلاتهم في جامع عبد الحميد بن باديس
الأحد ديسمبر 15, 2019 10:06 pm من طرف azzouzekadi
» لا اله الا الله
الأحد يناير 28, 2018 7:51 pm من طرف azzouzekadi
» قصص للأطفال عن الثورة الجزائرية. بقلم داؤود محمد
الثلاثاء يناير 31, 2017 11:52 pm من طرف azzouzekadi
» عيدكم مبارك
الإثنين سبتمبر 12, 2016 11:14 pm من طرف azzouzekadi
» تويتر تساعد الجدد في اختياراتهم
السبت فبراير 06, 2016 3:47 pm من طرف azzouzekadi
» لاتغمض عينيك عند السجود
السبت يناير 30, 2016 10:52 pm من طرف azzouzekadi
» مباراة بين لاعبي ريال مدريد ضد 100 طفل صيني
الخميس يناير 14, 2016 11:18 pm من طرف azzouzekadi